خاص أيوب


اغتيال حركة حماس

الأربعاء 10 أيلول 2025 - 0:00

خاص (أيوب)

الغارة الإسرائيلية العنيفة وغير المسبوقة، يوم أمس الثلاثاء، استهدافاً لكبار قادة حماس في العاصمة القطرية، لحظة اجتماعهم، من أجل مناقشة اقتراح الحلّ الأميركي في غزة، لم يُصب العالم بالذهول والدهشة فقط، بل غرق المسؤولون الأميركيون، ودونالد ترامب بشكل خاصّ، في شعور من الإرباك والحرج الشديدين. فإمارة قطر، ليست أفغانستان، ولا إيران، ولا هي سوريا ولا لبنان، وليست اليمن طبعاً. وهي تستضيف وفد حماس على أراضيها من منطلق دورها الوسيط، والذي تقوم به منذ سنوات، ليس فقط بين حماس وإسرائيل فقط، بل كانت قطر منصة أساسية للحوار بين حركة طالبان المصنّفة بالإرهاب وبين الأميركيين، والذي أسفر في نهاية الأمر عن انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان عام 2021. وكانت لها أدوار مماثلة في مناطق الأزمات المختلفة. هذا هو دورها الإقليمي، وهي مستغرقة فيه.

ومعنى أن تكون مثلاً وسيطاً بين إسرائيل وحماس، أن تكون طرفاً مقبولاً من الطرفين، أي من إسرائيل تحديداً. والمسؤولون الإسرائيليون، في خط الذهاب إلى الدوحة والإياب منها بشكل دائم، منذ طوفان الأقصى، في تشرين الأول 2023. لكن كل هذا، لم يشفع لإمارة قطر، فتعرّضت لهجوم عسكري غادر، من دولة ليس بينها وبين قطر حالة حرب معلنة. قد يكون اغتيال قادة حماس هدفاً مشروعاً لإسرائيل كما تعتقد، وقد تكون واشنطن متعاطفة مع هذا الشأن، بل متواطئة. لكن هل تستحق العملية كل هذه المخاطرة السياسية، وهي التي أدانها العالم، واشمأزّت منها حكومات الغرب، فضلاً عن عواصم العالم الإسلامي، وفاقمت حالة الكراهية بإزاء هذه الدولة المارقة التي ترتكب كل ما يحلو لها من جرائم وعلى رأسها الإبادة الجماعية، ودون أي حساب أو عقاب؟ لا يمكن إدراك العلّة التي دفعت حكومة نتنياهو إلى هذا الفعل، من دون استعراض وقائع الحرب على غزة، واقترابها من مرحلتها النهائية، وهي التهجير القسري إلى اللامكان.

أولاً، تضاعفت الجهود الأميركية لوقف الحرب في القطاع، على مشارف العملية البرية في مدينة غزة، فتكاثرت الاجتماعات، وتطايرت سيناريوهات ما بعد الحرب، وأرسل موفد ترامب، ستيف ويتكوف، اقتراحاً إلى حماس، وأرفقه ترامب بإنذار أخير إلى الحركة. وقد لا تكون مصادفة أن يكون الإنذار قبل ساعات من محاولة اغتيال قيادة حماس. ولو وافقت الحركة على المقترح الأميركي على علّاته، فلربما توقّفت الحرب، أو اضطرت حكومة نتنياهو لوقف الحرب، وهذا ما لا تريده أصلاً، وقد صارت على بُعد خطوة أو اثنتين من تحقيق أهداف الحرب، كما تعتقد.

ثانياً، إن كانت الغارة، قراراً إسرائيلياً صرفاً كما زعم نتنياهو، ومن دون أي تدخّل أميركي، فلن تكون سوى مخادعة إسرائيلية أخرى، على غرار ما فعلته في عهد الرئيس السابق جو بايدن؛ توحي بمرونة تفاوضية، حتى يسترخي أعداؤها أمنياً، فتنال منهم بالتضليل والغدر، كالذي حدث عند اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله، في أيلول العام الماضي، أو التضليل الذي مورس على إيران، في خضمّ جولات تفاوضية بشأن الملف النووي، في حزيران الماضي. وفي كلا الحالتين، زعم نتنياهو أن القرار كان إسرائيلياً، وكذلك التنفيذ. فهل خدع نتنياهو ترامب كما خدع سلفه بايدن، لإفشال أي محاولة لوقف الحرب؟

هنا نصل إلى احتمال معاكس، وهو أن ما جرى منذ طوفان الأقصى 2023، إنما هو شراكة أميركية إسرائيلية في التضليل والخداع، منذ اللحظة الأولى، من أجل الحفاظ على هامش مناورة لدى الأميركيين، وهم يمثّلون دور الوسيط أو المسهّل أو الحريص على حياة الناس. وذلك استناداً إلى المؤشّرات التالية:

أولاً، هناك ارتباك في الموقف الأميركي من الغارة الإسرائيلية على قطر؛ فمن جهة، تزعم إدارة ترامب أنها أبلغت قطر مسبقاً بالغارة، وقطر تقول إن الأميركيين أبلغوها بعد سقوط القنابل على الهدف. كأن ترامب يبرّئ نفسه من التواطؤ مع إسرائيل، ويُلقي اللوم على غيره. لكن لا أحد يصدّق أن الجانب الإسرائيلي أبلغ ترامب عندما كانت الطائرات تنقض على أهدافها المرسومة، وإلا لكانت إهانة كبرى لترامب.

ثانياً، إذا علم البيت الأبيض بالغارة مسبقاً قبل وقت كافٍ، وتأخر في إبلاغ قطر، فمعنى هذا أنه متآمر مع نتنياهو، الذي أقنعه أن الاغتيال الجماعي لقيادة حماس كفيل بفرض الاستسلام على حماس في غزة، وإنهاء الحرب، على الطريقة الإسرائيلية، أي تجريد غزة من السلاح، ومن العمران، ونفي ما بقي من أنصار حماس.

ثالثاً، حمل الاقتراح الأميركي الأخير إغراءً لا يمكن مقاومته، وذلك بهدف استدراج قادة حماس للتجمع في مكان واحد، والتخلص منهم دفعة واحدة.

وسواء نجحت إسرائيل أو فشلت في مسعاها من وراء الإغارة على قطر، فإن ما حدث فعلاً، ليس اغتيال حركة حماس، لأن المقاومة هي فكرة، لا تنظيم، بل هو اغتيال دور قطر.   



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة