
الخميس 25 أيلول 2025 - 0:06
كتب المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إيتمار آيخنر مقالة نحن عنوان "هزيمة قاسية في الأمم المتحدة، هكذا انحدرت إسرائيل إلى حضيضٍ دبلوماسي جديد". جاء فيها:
في ختام المؤتمر الفرنسي - السعودي، الذي عُقد يوم الاثنين الفائت في الأمم المتحدة، يبدو كأن إسرائيل تلقّت هزيمة دبلوماسية قاسية. فبعد أن صُورت كضحية، عقب الهجوم الذي شنّته "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، الآن، تجد إسرائيل أنها تنقاد، قسراً، إلى مسارات إشكالية، لقد اعترفت 153 دولة باستقلال الشعب الفلسطيني، وبحقه في دولة خاصة به. وبذلك تبددت عقود طويلة نجحت خلالها إسرائيل في منع اعترافٍ من هذا النوع، ونشأ واقع سياسي جديد. وفي الأمس، كان واضحاً في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إسرائيل في حضيضٍ دبلوماسيٍّ جديد.
إذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الماضي اقتصر على دول عدم الانحياز والدول العربية، فإن الوضع الآن تغيّر: لقد قالت دول "العالم الحر"، والديمقراطيات المستنيرة والمهمة، كلمتها: فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وإسبانيا، فضلاً عن دول في الاتحاد الأوروبي ذات وزن سياسي وأخلاقي كبير، ومعروفة باللغة الدبلوماسية بأنها "الدول المتقاربة في الفكر". هذه المرة، لم تكتفِ تلك الدول بالاعتراف، بل هي التي قادت الخطوة في الأمم المتحدة. يقدّرون في إسرائيل أن الديمقراطيات القليلة التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية بعد مثل فنلندا واليابان وكوريا الجنوبية ستفعل ذلك، عاجلاً أم آجلاً.
كان التحالف بين باريس والرياض لعقد المؤتمر خطوة ذكية: الفرنسيون أخذوا زمام المبادرة في أوروبا، بينما تولّت السعودية القيادة في العالم العربي المعتدل، وهو ما عزّز مكانة البلدين الدولية.
من جهة أُخرى، جاءت خطوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً رداً على التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة: علاقات شخصية متوترة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وخلافات بشأن قضايا الأمن وحلف الناتو، وحرب الرسوم الجمركية بين البلدين. هذه الخلفية شجعت فرنسا على اتخاذ موقف مضاد لواشنطن.
بعد موجة الاعترافات، لا يريد العالم أن يرى "إجراءات انتقامية" من إسرائيل، مثل ضم أجزاء من الضفة الغربية والأغوار، إذ ستُفسَّر أيّ خطوة في هذا الاتجاه بأنها استفزاز، ومن المرجح أن تؤدي إلى موجة من الإدانات، وربما قطع علاقات، أو إلى اتخاذ قرارات في مجلس الأمن.
قد يرى البعض أن تصريحات قادة العالم، التي تعترف بحق الفلسطينيين بإقامة دولة، "إنجازات". لكن على سبيل المثال، يمكن اعتبار المطالبة بالإفراج عن المخطوفين لدى "حماس" في قطاع غزة، وبنزع سلاح الحركة، إنجازاً أيضاً. وبات من الواضح للجميع أن كرة الثلج التي تدحرجت قبل أيام في نيويورك ستزداد قوةً.
في هذه الأثناء، لا تزال إدارة ترامب تدعم إسرائيل وتعارض هذا الاعتراف، لكن يجب التحذير من أن إسرائيل لا تستطيع وضع "كل بيضها في سلة واحدة"، إذ لا يمكن توقُّع ردات فعل الرئيس الأميركي الذي قد يغيّر موقفه بسرعة بدافع مصالح أُخرى. هاجم ترامب في خطابه في الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبراً أنه "مكافأة لحماس"، ودعا إلى الإفراج الفوري عن الأسرى، وقال ترامب في خطابه إنه بدلاً من الرضوخ "لمطالب حماس بالفدية"، على حد تعبيره، يجب على المهتمين بالسلام أن يتوحدوا حول رسالة واحدة: "اطلقوا سراح الرهائن الآن". وحظيَ كلامه هذا بالتصفيق في القاعة.
إن التحدي الأكبر الآن هو التوصل إلى نهاية سريعة وناجحة للحرب في غزة، بدعم أميركي، الأمر الذي سيسهل على إسرائيل، على الأرجح، تقليص الجوانب العملية لعزلتها، التي قد تشمل تفاقُم المقاطعة الاقتصادية، وتظاهرات في مختلف أنحاء العالم، وملاحقة الإسرائيليين في الخارج، ومظاهر معاداة السامية ضد يهود الشتات، والإقصاء من الفعاليات الرياضية والثقافية، وغير ذلك.
يمكن تلخيص ما حدث في الأمم المتحدة بأنه "كثير من الضجيج على لا شيء"، صحيح أن 9 دول أعلنت اعترافها بدولة فلسطين، بعضها قبل عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الأرض لم تهتز تحت أقدام إسرائيل. في الواقع العملي، هذه الخطوة لا تغيّر شيئاً، وكل تطوُّر على الأرض يعتمد على دولتين: إسرائيل والولايات المتحدة. فالاعتراف لا يؤثر قيد أنملة في الفلسطيني العادي في نابلس، أو رام الله، أو دير البلح.
لن تؤدي موجة الاعترافات إلى تغيير جوهري في الواقع. فالأمر يتعلق أساساً بضرر معنوي بسمعة إسرائيل وصورتها، بل يمكن القول إنه نوع من الإهانة بعد السابع من أكتوبر. فالمشهد الذي رأيناه في مبنى نيويورك، حيث حظيَ الرئيس الفرنسي ماكرون والسفير الفلسطيني في الأمم المتحدة بالتهنئة والثناء، لا يخدم صورة إسرائيل، إنه عرض من دول الغرب، ومن دول أوروبية تسعى لتحسين مكانتها، لكن يجب القول إن الخطوات الأخيرة في الأمم المتحدة جاءت أيضاً، إلى حد كبير، بسبب تقصير إسرائيل نفسها، فالقدس لا تطرح أي رؤية بديلة، ولا تصوغ أي تصوُّر استراتيجي للوضع في الشرق الأوسط في الأعوام القادمة. ونتيجةً لذلك، تسمح إسرائيل لعوامل خارجية باتخاذ قرارات في قضايا تخصها – ولا تخص هؤلاء.
ما علاقة سان مارينو الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 40 ألف نسمة، بالاعتراف بدولة فلسطين؟ وما علاقة لوكسمبورغ، التي تبلغ مساحتها نحو ثُمن مساحة إسرائيل، بالاعتراف بفلسطين؟ لا شيء سوى أن هذه الدول تشعر الآن بقدرتها على التدخل في قضايا دولية ملتهبة، ومن خلال ذلك، تريد أن تمنح نفسها قدراً من الأهمية.
مع ذلك، يجدر بدولة إسرائيل أن ترى ما حدث بمثابة "بطاقة صفراء"، ويتعين على الحكومة أن تدرك أنها لا تستطيع الاستمرار في إدارة الأمور بهذه الطريقة. على نتنياهو والوزراء أن يفكروا في أي مستقبل يريدون أن يروا في الجانب الإسرائيلي، وفي الجانب الفلسطيني، وهذا كله بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
بعد أن أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها بدولة فلسطين، وعد نتنياهو بتقديم ردّه المضاد على موجة الاعترافات، بعد اللقاء الذي سيعقده مع ترامب في الأسبوع المقبل. وحقيقة أن رئيس الوزراء يؤجل خطواته إلى ما بعد اللقاء، تُظهر مَن هو صاحب الكلمة الحقيقية. فالحديث يدور حول استمرار عملية التبعية التي تمرّ بها إسرائيل – أي تحوُّلها إلى دولة تابعة للراعي الأكبر، الولايات المتحدة. في الآونة الأخيرة، تسارعت هذه العملية في ظل العزلة الدولية التي تتجه إسرائيل نحوها.
لقد تحولت إسرائيل إلى منفِّذة لأوامر ترامب في كل شيء تقريباً، وتجميد الردود الذي أعلنه نتنياهو ينبع من انتظاره معرفة ما سيسمح له الأخير بفعله. من الممكن التقدير أن الرئيس الأميركي بدأ يسأم من الوضع، ومن المشكوك فيه أن يمنحه الضوء الأخضر لضم الضفة الغربية. وإلى جانب ذلك، من غير المؤكد أن رئيس الوزراء نتنياهو معنيّ فعلاً بالضم، ومن المحتمل أنه يكتفي بإطلاق التصريحات ورفع سقف الرهانات لإرضاء قاعدته الانتخابية وشركائه في الائتلاف الذين يحلمون بسيادة كاملة على الضفة الغربية.
هل هناك إنجازات؟
فيما يتعلق بالإنجازات الممكنة، فإن ألمانيا لم تنجرّ بعد وراء التسونامي السياسي ضد إسرائيل، لكن لا يمكن اعتبار ذلك إنجازاً إسرائيلياً خالصاً؛ في الأساس، ينبع هذا من التاريخ بين الألمان واليهود، وفي ظل فظائع الهولوكوست، التي تجعلهم أكثر حذراً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ومن المرجح أن الأمر ينطبق أيضاً على إيطاليا. أمّا الدولتان الإضافيتان اللتان لم تنضما إلى الموجة – هنغاريا وتشيكيا – من المرجح أنهما فعلتا ذلك لأنهما تنتهجان خطاً معارضاً للاتحاد الأوروبي في كل قضية تقريباً، وكذلك، الأرجنتين، برئاسة الرئيس المؤيد لإسرائيل خافيير مايلي، التي عارضت الخطوة الحالية – على الرغم من أنها، على غرار هنغاريا وتشيكيا، اعترفت في الماضي بحق الفلسطينيين في إقامة دولة.
مع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من أن بلجيكا أعلنت اعترافها بحق الفلسطينيين في دولة، فإنها اشترطت ذلك فقط بإطلاق سراح جميع الرهائن من الأسر وتجريد "حماس" من سلاحها. ورئيس الوزراء البلجيكي الذي يُعتبر مؤيداً لإسرائيل ومقرّباً جداً من يهود أنتويرب، وكان في السابق عمدة المدينة، ويخطط للعودة إليها لاحقاً، نجح في إدخال شرطه هذا للاعتراف بدولة فلسطين، على الرغم من مطالبة حكومته بالاعتراف الكامل والفوري.
إن الإنجاز المهم لإسرائيل كان في إقناع اليابان بعدم الاعتراف بدولة فلسطين في هذه المرحلة، بعد أن أعلن وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا أن اليابان تؤيد حلّ الدولتين، لكنها ستمتنع في الوقت الراهن من الاعتراف بدولة فلسطين. ومع ذلك، شدد المسؤول الياباني على أن الدولة الفلسطينية "ليست مسألة إذا، بل مسألة متى".
في غضون ذلك، بدأ الفرنسيون العمل بشكل فعلي على موجة اعترافات جديدة، ويأملون بإقناع عدد من الدول الآسيوية بالانضمام لاحقاً، ومنها اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة. وستحتاج إسرائيل إلى بذل جهد دبلوماسي كبير جداً من أجل كبح الخطوة الفرنسية المقبلة.
اتجاهات نتنياهو
فيما يتعلق بردّ نتنياهو على موجة الاعترافات، وعلى الافتراض أن ترامب لن يسمح له بالمساس باتفاقات أبراهام، وسيمنع خطوة الضم الكامل، أمام رئيس الوزراء اتجاهات عدة: الاتجاه الأول هو معاقبة فرنسا، صاحبة المبادرة، بخطوات دبلوماسية، واتخاذ خطوات أيضاً ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن، والتي دفعت بالمبادرة من وراء الكواليس، وزجّت إسرائيل في المحاكم الدولية في لاهاي.
يعتقد الأميركيون أن ماكرون قام بخطوة علاقات عامة فقط، ولا يعيرون إنجازَه الدبلوماسي اهتماماً كبيراً. لذلك، قد يمنح ترامب نتنياهو الضوء الأخضر للتحرك سياسياً ضد فرنسا. هذا الأمر قد يورط إسرائيل ويُدخلها في تبادُل ضربات دبلوماسية، وماكرون ينتظر ذلك، فقط ليُظهر قوته. إحدى الخطوات التي يخطط لها، في حال أغلقت إسرائيل القنصلية الفرنسية في القدس، هي فتح سفارة فرنسية في رام الله كردة فعل.
الاتجاه الثاني الذي يمكن أن تسلكه إسرائيل هو حلّ السلطة الفلسطينية، وعملياً، إلغاء اتفاقيات أوسلو. ستجرّ هذه الخطوة انتقادات حادة من العالم، وقد تضرّ بإسرائيل، وبالتعاون الأمني مع الفلسطينيين. أمّا الخيار الثالث – الجلوس من دون فعل أي شيء – فهو غير موجود في قاموس هذه الحكومة، ومن شبه المؤكد أنها سترغب في ردّ قوي، على الأقل لردع – من وجهة نظرها – دول أُخرى تفكر في الانضمام إلى الاعتراف لاحقاً، على الرغم من أن إسرائيل تبدو كأنها فقدت قوة ردعها الدبلوماسية كلها تقريباً.
أحد الاتجاهات التي اختارتها إسرائيل بشكل فعلي هو تشجيع المعارضة في الدول التي اعترفت بدولة فلسطين على إدانة الخطوة. لقد تحدّث وزير الخارجية جدعون ساعر مع قادة المعارضة في أستراليا وكندا وبريطانيا، وفعلاً، صدرت إدانات قوية من هؤلاء ضد خطوات حكوماتهم...
*نقلاً عن مجلة الدراسات الفلسطينية
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط