دولي وعربي


هل انتصرت حماس على اسرائيل؟

الخميس 9 تشرين الأول 2025 - 0:05

 

كتب المحلل العسكري الإسرائيلي آفي أشكنازي مقالة في صحيفة "معاريف" تحت عنوان:" حماس" انتصرت على إسرائيل قبل المذبحة بوقت طويل – التاريخ الدقيق الذي حدث فيه ذلك". جاء فيها:

ماذا بقيَ ليُكتب عن الحرب مما لم يُكتب خلال العامين الأخيرين؟ هذه الحرب التي بدأت بأقسى هزيمة عسكرية لإسرائيل منذ قيامها، ما زالت مستمرة من دون أي أفق لنهايتها حتى الآن. حتى اليوم، بعد عامين، يتذكر كل إسرائيلي بدقة أين كان صباح يوم السبت – عيد "سمحات توراه" – عند الساعة 06:29. يتذكر كل إسرائيلي، بتفاصيل التفاصيل الدقيقة، الدقيقة الأولى، ولحظة عدم الفهم: ما الذي حدث هنا؟ مَن يطلق النار؟ ولماذا تُطلق النار؟

يتذكر كل إسرائيلي صورة "التويوتا" المحملة بالمسلحين، وهي تجوب شوارع سديروت، والمظلات الشراعية التي اخترقت الحدود وحطّت في بلدات غلاف غزة، وصيحات الاستغاثة التي أطلقها المدنيون والجنود من خطوط المواقع التي انهارت، ومن البلدات، ومن حفلة "نوفا" التي ذُبح المشاركون فيها على مدى ساعات.

بدأت الحرب بمفاجأة تامة، ومحرجة ومهينة. تنظيم "إرهابي" لا يُعتبر في إسرائيل، ولا في العالم كله، تنظيماً كبيراً، أو قوياً، أو يمتلك قدرةً تكتيكية على تغيير واقع استراتيجي، أو لديه قوة تهدد وجود دولة إسرائيل، أو وجود جزء منها. فحتى بعد السابع من أكتوبر، وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قدرات التنظيم بأنها لا تتجاوز "بضعة عرب ينتعلون الشباشب، ويحملون بنادق كلاشينكوف."

لكن في الواقع، نجحت "حماس" في حسم المعركة ضد فرقة غزة، القوة العسكرية التي نشرتها إسرائيل في مواجهتها. لقد سيطرت على شريط من الأرض، وهددت بالتوغل في العمق الإسرائيلي، ولو نفّذت خطتها بشأن توحيد الجبهات في التوقيت المطلوب، لوجدنا أنفسنا، على الأرجح، في واقع مختلف تماماً.

الآن، بعد مرور عامين، حان الوقت لترك المناورات والتصريحات المدوية جانباً، والغوص فيما حدث هنا فعلاً: أن نفهم كيف، بعد خمسين عاماً بالتمام على حرب "يوم الغفران"، فوجئت إسرائيل وتلقّت هزيمةً عسكريةً، على الأقل في المراحل الأولى من القتال.

هذه الحرب التي حققت فيها "حماس" انتصاراً منذ الدقيقة الأولى لانطلاقها، لم تبدأ في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بل بدأت قبل ذلك بوقت طويل. اليوم، بات تاريخ بدايتها الدقيق واضحاً: اليوم والساعة. لقد حدث ذلك في السادس والعشرين من آب/أغسطس 2014، اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار لعملية "الجرف الصامد" حيز التنفيذ.

فالقيادتان السياسية والعسكرية لدولة إسرائيل، اللتان كانتا تعتقدان أنهما تعرفان كل شيء في أي وقت، كانتا مقتنعتين بأنهما وجّهتا إلى "حماس" ضربة قاسية. كانتا تظنان أنهما نجحتا في ترويض النمر، وأن "حماس" باتت مردوعة.

إسرائيل روَت لنفسها القصة، والمشكلة الكبرى أنها صدقت القصة التي روتها. لكن في الواقع، خرج رجال "حماس" من الأنفاق بعد الحرب، ونفضوا عنهم غبار الصراع، ورأوا الدمار في غزة ومعاناة أهلها، ولم يتركوا ذلك يحركهم. لقد فهموا أن البقاء في وجه الغزو الإسرائيلي هو بحد ذاته نصر لهم. منذ تلك اللحظة، غيرت "حماس" عقيدة عملها تجاه إسرائيل. تماماً مثلما فعل حسن نصر الله وحزب الله قبلها بثمانية أعوام، عقب انتهاء حرب لبنان الثانية. فالتنظيمان، حزب الله في لبنان، و"حماس" في غزة، أدركا أن الحجم والقوة لديهما باتا كافيَين، ليس فقط للعمل كقوة دفاعية (حزب الله من أجل لبنان، و"حماس" من أجل غزة)، بل في إمكانهما أيضاً تحدّي إسرائيل وبناء منظومة تحكُّم هجومية تنقل الحرب إلى العمق الإسرائيلي. كان لدى يحيى السنوار ومحمد الضيف، وعدد من كبار قادة الحركة، رؤية تحولت إلى استراتيجيا، والتي تتجسد نهايتها بحركة تكتيكية وغزو واسع وقوي، مع احتلال أراضٍ داخل إسرائيل.

بدأت "حماس" ببناء قوات "النخبة"، التي حولت تنظيم "حماس" من مجرد تنظيم "إرهابي إلى "جيش حماس". شمل هذا الجيش منظومة قيادة وسيطرة ضمّت فرقاً وألويةً وسرايا وأقساماً. كما أنشأ جهاز استخبارات لافتاً للغاية، ودرس الجيش الإسرائيلي وإسرائيل بدقة، وهيّأ نفسه ليوم الأوامر. علاوةً على ذلك، أضاف شبكةً تحت أرضية واسعة، وسيطرةً مطلقة على الجمهور في غزة.

توازُن الأنظمة العامة

هنا، في إسرائيل، كانت للدولة سرديتها الخاصة. والأسوأ من ذلك أنها واصلت تصديق هذه الرواية من دون أن تتحداها، لا في الجيش، ولا في المستويَين الأمني والسياسي.

يكاد كل طفل في صف الروضة، أو في الصف الأول، يعرف قصة "ملابس الإمبراطور الجديدة" التي كتبها الكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن في سنة 1837. تمثل هذه القصة مجازاً لاذعاً للعمليات الاجتماعية التي تدفع الفرد إلى الانجرار وراء الجماعة على حساب الحقيقة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت "ملابس الإمبراطور الجديدة" تعبيراً يرمز إلى الوهم، أو الخداع الذاتي.

في الحالة الإسرائيلية، كانت التكلفة دموية إلى حد جنوني: 1954 قتيلاً بين مدنيين وجنود، و255 أسيراً، لا يزال 48 منهم، بعد عامين، في أسر "حماس"، إلى جانب آلاف الجرحى. إن الفشل الإسرائيلي في المواجهة مع "حماس" ليس فشلاً عسكرياً فحسب، ولا استخباراتياً فقط، ولا حتى قيادياً على مستوى اتخاذ قرارات ميدانية في هذا المستوى، أو ذاك، من السلطة السياسية، أو العسكرية، بل هو فشل في التصور الأوسع لإدارة دولة إسرائيل، ولمجتمعها نفسه، وفي الذهنية اليومية لكل مواطن ومواطنة، وفي طبيعة العلاقة بين الحكم والمجتمع؛ إنه فشل في تلك العقلية الإسرائيلية القائلة في النهاية "إننا سنتدبر الأمر"، أو "نتحايل"، لأننا "الأفضل في تحويل كل شيء إلى فوضى منظمة."

لكن في هذه الحرب، وللأسف الشديد للجميع، انتصرت "حماس" في الحرب، حتى لو اختفت يوماً ما من الوجود. لقد أثبتت أنه من الممكن تحدّي إسرائيل، ونجحت في الصمود خلال حربٍ شرسة استمرت عامين، لم تعرف إسرائيل مثيلاً لها منذ 77 عاماً على قيامها.

تمكنت "حماس" من كسب الرأي العام العالمي إلى جانبها. ففي هذا الأسبوع وحده، يمكن رؤية الانجراف الأوروبي في اتجاهها: أعلام فلسطين في كل زاوية، وتظاهرات في كل ساحة، فضلاً عن إعلانات الدول في الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، وازدياد العزلة التي تعيشها إسرائيل في العالم.

لكن أيضاً هنا، والآن، يجب على إسرائيل ألّا تروي لنفسها قصتها، بل أن تعيش الغد بعقلية جديدة. ليس بالضرورة أن تكون السردية الإسرائيلية هي السردية الصحيحة، أو الكاملة. ربما هناك سردية أُخرى يمسك بها الطرف الآخر، قد تفاجئ إسرائيل يوماً ما، غداً، أو بعد عام، أو في مرحلة مقبلة، وتقلب الصورة رأساً على عقب.

إن إسرائيل منشغلة في حرب على سبع جبهات منذ عامين، تراهن على "نصر مطلق"، لكن لا وجود للنصر المطلق في هذا العصر. على جيشها أن يعيد بناء نفسه ليتأهب لأي مفاجأة من أي جبهة: من الشمال، أو الشرق، أو الجنوب، من خط التماس، ومن داخل الأرض نفسها. لكنه حتى الآن، ليس في هذا الموضع.

أمّا المجتمع الإسرائيلي، فعليه إعادة بناء نفسه، والتجرؤ على السؤال والمحاسبة، لا أن يسير بعينين مغمضتين خلف قيادة خاوية وفارغة. فإذا لم تستيقظ إسرائيل، فستستفيق على "سابع من أكتوبر" جديد.

*نقلاً عن مجلة الدراسات الفلسطينية

 

 



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة