
السبت 20 أيلول 2025 - 0:09
تتكاثر المؤشرات على تراجع مكانة إسرائيل لدى الأميركيين ومن كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وبحسب مقال مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، فإن إسرائيل تخسر الدعم الشعبي الأميركي، وهو مؤشر خطير في مآل العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وفيما يلي نص المقال:
"في مشهد رمزي من القدس، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام حجارة حائط المبكى العتيقة، ليؤكد أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة "متينة كالحجارة التي لمسناها". لكن الواقع السياسي والدبلوماسي لا يعكس هذا التفاؤل.فالتحالف التاريخي بين إسرائيل وأميركا يمرّ بأخطر مراحله منذ تأسيسه، مع تراجع الدعم الشعبي، وازدياد التوترات السياسية، وتصاعد الانتقادات على الساحة الدولية.
الرأي العام الأميركي يتغير
لطالما اعتُبرت إسرائيل الحليف المدلل للولايات المتحدة، ولكن الشارع الأميركي لم يعد مقتنعًا بذلك.تشير استطلاعات حديثة إلى أن 53% من الأميركيين ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية، مقارنة بـ42% فقط قبل عامين، بل إن 43% منهم يرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعيةفي غزة، وهو رقم يثير القلق ليس فقط في تل أبيب، بل في أروقة السياسة الأميركية نفسها.
التراجع في دعم إسرائيل لا يقتصر على الحزب الديمقراطي، الذي باتت قاعدته الشابة والليبرالية ترى القضية الفلسطينية من منظور الاستعمار والتمييز العنصري. بل يمتد أيضًا إلى الجمهوريين، حيث انخفض دعم الإنجيليين لإسرائيل في الفئة العمرية دون الثلاثين سنة من 69% إلى 34%خلال سنوات قليلة. كما أن الاستياء من دعم الحروب الخارجية، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، أصبح دافعًا قويًا للتشكيك في جدوى استمرار تمويل إسرائيل.
من تحالف القيم إلى خلاف المصالح
خلال الحرب الباردة، كانت إسرائيل تمثل حصنًا أمريكيًا ضد النفوذ السوفياتي. وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وحّدت محاربة الإرهاب البلدين. أما اليوم، فإن تحالف القيم بين الديمقراطيتين يتآكل، خاصة مع صعود التيار اليميني الديني في السياسة الإسرائيلية، وتبني الحكومة الحالية خطابًا قوميًا متشددًا.
من جانبه، اختار نتنياهو بوضوح الاصطفاف مع الجمهوريين، مما زاد من تسييس العلاقة وجعلها عرضة للتقلبات الانتخابية الأميركية. في هذا السياق، يخشى كثيرون أن يكون جو بايدن آخر رئيس أميركي يؤمن بإسرائيل من منطلق وجداني وتاريخي.
خطر العزلة الدولية
في الوقت الذي تتراجع فيه مكانة إسرائيل في أعين الأميركيين، يقترب حلفاء تقليديون للولايات المتحدة – مثل فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا – من الاعتراف بدولة فلسطينية.هذه التحولات تأتي في ظل توسع المستوطنات الإسرائيلية، وانهيار حل الدولتين، واستمرار الحرب المدمّرة في غزة.
بدون الدعم الأميركي، تواجه إسرائيل خطر التحول إلى دولة منبوذة دوليًا، وهو ما قد تكون له تبعات قانونية وعسكرية خطيرة، خصوصًا في ظل تزايد الدعوات إلى محاسبتها أمام المحاكم الدولية.
هل من مخرج؟
يرى البعض أن توتر العلاقات ليس جديدًا، وأن الخلافات بين الحكومات تحدث وتُحلّ. لكن التحولات في الرأي العام الشعبي لا يمكن إصلاحها بسهولة، وإذا استمرت، فقد تؤدي إلى تغير جذري في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل.
الاتفاق العسكري الحالي بين البلدين، والذي يضمن لإسرائيل 3.8 مليار دولار سنويًا، ينتهي في عام 2028. ورغم محاولات إسرائيل تحويله إلى "شراكة" لتجنّب صدمة وقف التمويل، إلا أن الأهم من المال، هو ضمان استمرار التعاون التكنولوجي والعسكري، وهو ما قد يصبح مهددًا في ظل تصاعد الغضب الأميركي.
رؤية مضللة
حديث نتنياهو عن "إسرائيل كقوة سوبر-إسبرطة" قادرة على الوقوف وحدها يعكس رؤية خطيرة ومضللة.فالقوة العسكرية وحدها لا تضمن الأمن، بل قد تعزل إسرائيل وتدفعها لفقدان حليفها الوحيد الذي لا يمكن تعويضه.الاستمرار في سياسات التوسع والرفض، واعتبار الانتقادات معاداة للسامية، لن يقود إلا إلى مزيد من العزلة والخطر.
خلاصة
التحالف الأمريكي-الإسرائيلي لم يعد كما كان. وبينما يراهن البعض على أن حرب غزة ستنتهي ويأتي رئيس وزراء جديد يصلح ما أفسده سلفه، فإن التحولات العميقة في الرأي العام الأميركي تشير إلى أن الزمن قد تغير فعلاً.وإذا لم تغيّر إسرائيل مسارها، فقد تجد نفسها وحيدة في منطقة خطرة، بعد أن كانت ذات يوم الحليف الأقرب والأقوى لواشنطن.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط