دولي وعربي


خطة ترامب: عبقرية الوساطة الأميركية

السبت 11 تشرين الأول 2025 - 0:08

 

كتب المحلل الإسرائيلي آفي يسسخروف في صحيفة "يديعوت أحرنوت"مقالة تحت تحت عنوان "الكل انتصر والكل خسر، إنها عبقرية الوساطة الأميركية". جاء فيها:

"في النهاية، أدى الفريق الأميركي واجبه في الوساطة، ويستطيع الطرفان أن يعلنا في الداخل أنهما حصلا على ما أراداه، ويزعمان أنهما "انتصرا"، مع أنهما ما زالا بعيدَين عن الحصول على ما يريدانه؛ يمكن هنا إعطاء الفضل لفريق ترامب، جاريد كوشنير وستيف ويتكوف وكل مَن عمل تحت إمرتهما.

نجحت حكومة إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو، في الحصول على ما كان يُعتبر مستحيلاً حتى وقت قريب: إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء وجزء من الجثامين، من دون انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة. سيواصل الجيش الإسرائيلي السيطرة على نحو 53% من مساحة القطاع، بما في ذلك شريط أمني واسع يمنع مقاتلي "حماس" من الاقتراب من الحدود.

في المقابل، حصلت "حماس" على وقف لإطلاق النار، وعلى ما يبدو أيضاً، على ضمانات دولية من النوع الذي سيكون من الصعب على إسرائيل خرقه، أي أنها لن تهاجم القطاع مجدداً ما دامت المفاوضات مستمرة بشأن المراحل اللاحقة من "صفقة ترامب"، ومن المرجّح أن تستمر هذه المفاوضات وقتاً طويلاً. كما ستحصل "حماس" على مساعدات دولية لإعادة إعمار القطاع، وستُتاح لها استعادة نفوذها الإداري هناك. والسؤال الكبير هو: ماذا ستفعل إسرائيل، إذا حاولت "حماس" إعادة بناء قدراتها العسكرية، وسعت للقيام بذلك بأسرع وقت ممكن، ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل؟

الأهم من كل شيء، هو أن "حماس" حصلت على اعتراف دولي لم يسبق أن حظيت به من ذي قبل، وعلى إنجازات سياسية يلاحظها العالم أجمع، منها عزل إسرائيل سياسياً والاعتراف مجدداً بالقضية الفلسطينية. ويمكن فقط الأمل بأن يتيح وقف إطلاق نار طويل الأمد إخراج إسرائيل من عزلتها الدولية التي دخلت فيها نتيجة موجة من معاداة السامية، ومن السياسة الإسرائيلية الفاشلة في الوقت عينه.

يبدو كأن التحول الكبير في الموقف الأميركي، المتمثل في قرار ترامب فرض وقف الحرب على نتنياهو، جاء نتيجة الهجوم الإسرائيلي على قيادة "حماس" في قطر. ففي الوقت الذي كانت قيادة الحركة مجتمعةً في الدوحة لمناقشة الاقتراح الأميركي الأخير، حاولت إسرائيل اغتيال كبار مسؤولي "حماس" هناك. ويبدو كأن هذا الأمر كان بمثابة جرس إنذار لأعضاء من الفريق الأميركي، الذين يرون - لأسباب عديدة، بينها أسباب اقتصادية - في قطر حليفاً وشريكاً. ومن هنا، جاء الضغط الأميركي الكبير وخطة السلام التي كان واضحاً منذ البداية أن تنفيذها بالكامل لن يكون سهلاً.

ومن هنا أيضاً، يمكن البدء بالحديث عمّا لم تحقّقه إسرائيل: "حماس" ترفض نزع سلاحها، لا الآن، ولا في المستقبل القريب، "إلى أن تُقام دولة فلسطينية". لم يتم تدمير "حماس"، ولا القضاء عليها، ولم تُمحَ، والنصر الكامل الذي وعد به نتنياهو سابقاً بقيَ شعاراً فارغاً. كما أن الحركة ترفض وجود أي هيئة حاكمة أجنبية غير فلسطينية داخل القطاع. وفي المقابل، لن تحصل "حماس" على السيطرة الكاملة على القطاع، ولا على الإفراج عن جميع الأسرى البارزين الذين طالبت بهم. ولا يزال من غير الواضح مَن هم الأسرى الثقيلون الذين سيُفرج عنهم فعلاً. لكن من المرجّح أن هذه القضية لن تكون العقبة التي تمنع وقف إطلاق النار.

وهنا لا بد من الحديث عن المرحلة القادمة. فمن دون استكمال خطة ترامب للسلام، ومن دون جناح سياسي مكمّل للخطة، سيكون وقف إطلاق النار موقتاً، ومن غير الواضح إلى متى سيصمد، ومن أجل إحداث تغيير استراتيجي في غزة، مثلما أرادت إسرائيل، فإن هذا الأمر سيتطلب تشكيل قوة حاكمة بديلة من "حماس". وافق بعض الدول العربية على المشاركة في هذه القوة، إلى جانب وجود السلطة الفلسطينية. ولا يمكن لهذه القوة العمل على نزع سلاح "حماس"، إلّا في ظل تهديد قوي من طرف عدد من الدول العربية، ومن الولايات المتحدة وإسرائيل. سيؤدي رفضُ إسرائيل مثل هذه الخطوة إلى تجدُّد الحرب وتدمير ما تبقى من غزة. لكن إذا استمرت إسرائيل في رفض مشاركة السلطة الفلسطينية في العملية، يجب الاستعداد للجولة المقبلة من الحرب منذ الآن. حينها على الأقل، وهذا يشكل عزاءً كبيراً، لن يكون لدى التنظيمات الفلسطينية أي رهائن في قيد الحياة.

وكلمة أخيرة: على ما يبدو حالياً، أعلنت "حماس" أنها غير قادرة في هذه المرحلة على العثور على جثامين تسعة من الأسرى القتلى، هذا يعني وجود تسعة مفقودين لا يُعرف مكان دفنهم، وتسع عائلات فقدت أحباءها من دون أن تحصل على الجثامين، مع ما تعانيه من فراغ هائل. سيكون على إسرائيل مواصلة الإصرار أمام الوسطاء في الأشهر القادمة على أن تقوم "حماس" بالعثور على هذه الجثامين، ومن المرجّح أنه في إمكانها فعل ذلك، لكن ليس في غضون 72 ساعة. إن عائلة هدار غولدن ما زالت تنتظر استعادة جثمانه منذ 11 عاماً، ويجب ألّا تمر ثماني عائلات أُخرى بالجحيم نفسه الذي مرّت به هذه العائلة".



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة