الثلاثاء 23 كانون الأول 2025 - 0:09
كتب العميد في الجيش الإسرائيلي تسفيكا حايموفيتش مقالة في "قناةN12"" تحت عنوان: إيران في الطريق إلى جولة أُخرى". جاء فيها:
إن إيران في حرب الـ"12 يوماً" في شهر حزيران/يونيو، والتي كانت الجولة الثالثة من الهجمات العسكرية خلال حرب "السيوف الحديدية"، بدأت بهجوم إسرائيلي استباقي، على خلفية التقدم في المشروع النووي الإيراني، وانتهت بالهجوم الأميركي على أهم ثلاثة مواقع نووية في إيران. حتى الآن، لم تتضح نتائج الضربات ضد المشروع النووي بالكامل، لكن بين الرئيس دونالد ترامب، الذي يصرّح من على جميع المنابر بأننا دمرنا المشروع النووي الإيراني، وبين متحدثين إسرائيليين يتحدثون عن تراجُع المشروع إلى الوراء، تكمن الحقيقة، على الأرجح.
هذه المرة، يتمحور الجدل حول استئناف إيران إنتاج الصواريخ الباليستية؛ لقد كان طموح إيران قبل الحرب، حسبما صرّح رئيس الوزراء نتنياهو مراراً، الوصول إلى امتلاك 20 ألف صاروخ باليستي بعيد المدى بحلول نهاية سنة 2027؛ خلال الحرب، أطلقت إيران نحو 450 صاروخاً باليستياً، وهو عدد أقل كثيراً مما كانت تأمل به وتخطط له (نتيجة الضربة الإسرائيلية الاستهلالية وحملة اصطياد الصواريخ ومنصات الإطلاق التي نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي فوق الأراضي الإيرانية). ومع ذلك، ومن وجهة نظر إيران، فإن هذه المنظومة كانت الوحيدة التي أثبتت نفسها في الحرب؛ ومن وجهة النظر الإسرائيلية، شاهدنا حجم الضرر المحتمل، حتى بكمية غير كبيرة من الصواريخ، ورأينا حجم التحدي الذي تشكّله لقدرات الدفاع الإسرائيلية، وكذلك الأميركية التي نُشرت في إسرائيل، وليس فقط فيها.
بعد ستة أشهر من الحرب، تملك إيران ترسانة كافية من الصواريخ البعيدة المدى، حتى قبل استئناف الإنتاج (تشير تقديرات متعددة إلى أن نحو 1500 صاروخ بقيت في حيازة إيران في نهاية الحرب) للتهديد بجولة قتال جديدة مع إسرائيل.
لا شك في أن إنتاج آلاف الصواريخ، حتى لو كان أقلّ من الهدف الذي سعت له إيران قبل الحرب، يشكل تهديداً لاستمرارية الأداء الوظيفي في إسرائيل، ويمكنه أن يتحدى قدرات الدفاع بشكل كبير. وفي السباق الذي نشأ بين قدرة إيران على التعافي والإنتاج، وبين قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على تزويد وتجديد مخزونات مكونات الدفاع، فإن عامل الزمن يحمل أهمية حاسمة.
مفهوم الأمن بعد حرب "السيوف الحديدية"
إن الصدمة التي أحدثها هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، التي شهدت تطورات خطِرة تجاوزت الحدود وفاجأت دولة إسرائيل وجيشها، أدت إلى تبنّي إسرائيل مبدأً أساسياً في مفهومها الأمني، وهو مبدأ "المنع". نشهد ذلك على ساحتين على الرغم من وقف إطلاق النار: في لبنان، في مواجهة حزب الله، وفي غزة إزاء "حماس"، مع تنفيذ ضربات شبه غير محدودة وحرية عمل كاملة ضد أي تهديد في طور إعادة البناء، أو التشكل، أو التمركز. يجب ألّا نخطئ: يختلف تطبيق مبدأ "المنع" ضد حزب الله و"حماس" تماماً عن تطبيقه ضد إيران، لا من حيث التكرار، ولا من حيث الجوهر.
لقد بقيت إيران بعد الحرب التهديد الأكبر لأمن إسرائيل، ونيتها بشأن السعي لامتلاك قدرات نووية لم تتغير على الأرجح، واستعدادها للتوصل إلى تسوية مع الغرب بشأن البرنامج النووي لم يتغير. في الوقت عينه، رُفعت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن المنشآت النووية الإيرانية بشكل كامل تقريباً، وتلقّى وكلاء إيران في المنطقة ضربة قاسية، لكن هذا كله لا يمنع إيران من أن تضع إعادة تأهيل حزب الله على رأس سلّم أولوياته. ويمكن إن تُضاف إلى ذلك خطوات إيران في الأشهر الأخيرة بشأن استئناف إنتاج الصواريخ الباليستية - وهنا يتشكل أمامنا تهديد تجاوز "حاجز المرة الأولى"، الذي جرى فعلاً في نيسان/أبريل 2024 (الليلة الأولى التي أطلقت فيها إيران نحو 300 صاروخ في اتجاه إسرائيل، رداً على اغتيال هذه الأخيرة ضباطاً من الحرس الثوري في مبنى بالقرب من السفارة الإيرانية في دمشق)، وتواصلَ في تشرين الأول/أكتوبر 2024، ثم في حرب "الأيام الـ12" (حزيران/يونيو 2025)، والتي بدأت بمبادرة إسرائيلية.
جولة أُخرى- مسألة وقت
سواء أكان ذلك في المستقبل القريب، بعد أن يعرض رئيس الوزراء الفكرة على الرئيس ترامب، أم في وقت أبعد، فلن يكون من المبالغة التقدير أن ما يفصلنا عن شن جولة حرب أُخرى مع إيران مسألة وقت؛ فطموحات إيران، واستمرار تطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية (حتى من دون استئناف المشروع النووي)، والحساب المفتوح، بعد المفاجأة التي أحدثتها الضربة الاستباقية الإسرائيلية، وفي المقابل، مفهوم الأمن الإسرائيلي الجديد الذي لن يسمح بتشكّل تهديد من هذا النوع خارج حدودنا، أمور كلها ستُبقينا في واقع من التوتر القابل للانفجار.
في هذه الأثناء، وفي الوقت المتاح، يجب على إسرائيل استثمار الموارد والجهود في تعزيز قدرات الدفاع الجوي، والحفاظ على التفوق الاستخباراتي، واستخلاص الدروس من عملية "شعب كالأسد" وتحسينها؛ والجولة القادمة ستكون أكثر تحدياً، ومن التجربة المتراكمة في الشرق الأوسط، إذ تبدأ كلّ جولة من النقطة التي انتهت فيها الجولة السابقة، سواء من حيث الشدة، أو الحجم؛ وفي سباق التعلم، سيحاول كلّ طرف التقدم خطوة أمام الآخر، وجلب ابتكارات ومفاجآت إلى ساحة القتال في المرة المقبلة، ومَن لا يستعد لذلك، ستكون نهايته المفاجآت التي تحسم الحروب، وشهدنا ذلك في حزيران/يونيو 2025، وكذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
لقد أثبت الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو وشعبة الاستخبارات ومنظومة الدفاع الجوي لنا أنه يمكن الاعتماد عليهم.
*نقلاً عن مجلة الدراسات الفلسطينية
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط



