
الخميس 25 أيلول 2025 - 0:02
كتب (راشد شاتيلا*)
لم يعد الذكاء الاصطناعي محصوراً في مجالات الصناعة أو التكنولوجيا، بل أصبح اليوم عنصراً محورياً في الطب الحديث. فالتقدّم الذي يشهده هذا المجال يغيّر جذرياً طريقة تشخيص الأمراض وعلاجها، ويفتح الباب أمام ثورة صحية يمكن أن تنقذ ملايين الأرواح وتخفف معاناة البشر.
أحد أهم إسهامات الذكاء الاصطناعي يتمثل في تشخيص الأمراض بدقة متناهية. فالخوارزميات قادرة على تحليل صور الأشعة والفحوصات المخبرية بسرعة وكفاءة تتجاوز قدرات العين البشرية. وقد أثبتت التجارب أنّه يمكن اكتشاف بعض أنواع السرطان في مراحل مبكرة، الأمر الذي يزيد من فرص الشفاء ويقلل من تكاليف العلاج.
إلى جانب التشخيص، يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير الطب الشخصي. فبدلاً من اعتماد بروتوكولات علاجية عامة، يمكن تصميم خطط علاج تناسب الحالة الصحية والجينية لكل مريض على حدة. هذه الدقة لا تعزّز فقط فعالية العلاج، بل تقلل أيضاً من الآثار الجانبية، وتفتح آفاقاً جديدة في الرعاية الصحية.
كما يساهم الذكاء الاصطناعي في تسريع البحث العلمي واكتشاف الأدوية. فمن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات الطبية والتجريبية، يمكن تحديد المركبات الواعدة بسرعة أكبر، ما يختصر سنوات من البحث والتجارب. هذا التطور قد يكون حاسماً في مواجهة أوبئة عالمية أو أمراض مستعصية.
غير أنّ هذه المزايا لا تلغي التحديات. فالاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يثير مخاوف تتعلق بخصوصية بيانات المرضى، وأمنها، وإمكانية إساءة استخدامها. كما أنّ استبدال بعض المهام الطبية بالآلات قد يثير جدلاً أخلاقياً حول مكانة الطبيب ودوره في رعاية المريض.
التوازن هنا يصبح ضرورياً: فالذكاء الاصطناعي أداة مساعدة للطبيب، لا بديلاً عنه. فالعلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض لا يمكن أن تنسخها خوارزمية، ولا يمكن لأي آلة أن تمنح المريض التعاطف والطمأنينة التي تشكل جزءاً أساسياً من العلاج.
من أجل الاستفادة المثلى من هذه الثورة، ينبغي على المؤسسات الصحية والحكومات وضع أطر قانونية وأخلاقية تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي، وتضمن حماية خصوصية المرضى، وتشجع في الوقت نفسه الاستثمار في البحث والتطوير الطبي.
في النهاية، يبقى الذكاء الاصطناعي امتحاناً لإرادة الإنسان. فإذا استُخدم لتعزيز الطب وتوسيع نطاق الرعاية الصحية، فإنه سيكون جسراً نحو عالم أكثر صحة وعدلاً. أما إذا جرى التعامل معه بلا وعي أو ضوابط، فقد يتحول إلى عبء يهدد القيم الإنسانية في أقدس ميادينها: ميدان حياة الإنسان وصحته.
*مختص في الذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط