خاص أيوب


لماذا يكرهون أحمد الشرع؟

الجمعه 14 آذار 2025 - 0:00

خاص (أيوب)

قبيل انتهاء ثلاثة أشهر على إسقاط نظام بشار الأسد، بعملية "ردع العدوان"، حاولت فلول النظام في السادس من آذار الحالي، تحت عدة مسميات يجمعها ما يسمى "المجلس العسكري لتحرير سوريا"، بهدف فصل الساحل السوري في خطوة أولى، والانقضاض على المناطق الأخرى، من محاور مختلفة؛ ليصبح الهدف النهائي، لو نُفّذت الخطة الموضوعة بدقة وتنسيق مع الأطراف الداخلية والخارجية، إسقاط أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا الجديدة، وإجهاض الثورة. كان هذا متوقعاً. فبشار الأسد ورّط أبناء طائفته وكثيراً من أبناء الطوائف الأخرى، في الجرائم والفظاعات التي ارتُكبت ضد الأكثرية السنية خاصة. وهؤلاء كتلة هائلة من الأفراد المدربين على القتال والقتل. والخوف ينهشهم ليل نهار، ويخشون المحاسبة والعقاب. وهذا على الرغم من إنجاز عملية التحرير بأقل الخسائر المادية والبشرية، والتعامل بإيجابية مع كل منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية في النظام البائد، ومنح أوراق التسوية لكثير منهم ممن ارتضى تسليم سلاحه وبطاقته العسكرية، كما على الرغم من خطابات الاعتدال والليونة والطمأنة التي دأب الشرع على بثّها بكل وسيلة ممكنة.

لكن الحق يقال، إن هذا الأسلوب ذاته، مما يكسر الصورة النمطية للجهادي الذي كان عليه أحمد الشرع، هو أكثر ما أقلقهم وأخافهم؛ لأنه بذلك يحطّم السردية التي نسجتها إيران وميليشياتها ومعها روسيا الاتحادية، خلال 14 سنة، لتبرير التدخل العسكري الوقح في سوريا تحت عنوان مكافحة الإرهاب السني بطبيعة الحال، وحماية الأقليات. وتحت هذا العنوان، أوغل النظام وحلفاؤه في دماء مئات الآلاف، وهجّروا الملايين داخل سوريا وإلى خارجها، وأحدثوا دماراً شاملاً في طول البلاد وعرضها، دون أن يتحرك المجتمع الدولي لحماية الأكثرية من الإبادة المنهجية.

وعليه، لو سمحوا لنموذج أحمد الشرع بالاستمرار والتمدد والانفتاح على الخارج بهذه السرعة المتنامية، فلن يمرّ وقت طويل، إلا وتُطوى صفحة الإرهاب الذي صنعه عمداً النظام ومن معه، لتبرير المذابح. فكان لا بدّ من كبح جماح الحصان المنطلق دون قيود. وكان لا بدّ من إثارة الفتنة في الساحل العلوي تحديداً، لإخراج أبي محمد الجولاني الخاضع لعقوبات أميركية، من تحت البدلة الأنيقة لأحمد الشرع، وإحياء السردية القديمة، ومحاولة تجديد الوكالة الدولية لروسيا في سوريا، مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض وهو صديق بوتين، ومحاولة بعث النظام المجرم من جديد، وكأنه لم يحدث شيء، ولم ينكشف كل شيء.

قد لا يكون مستغرباً، أن يجتمع الإيرانيون وأتباعهم والإسرائيليون وأذيالهم، على كره أحمد الشرع، مع التمني بإزاحته بأي طريقة، حتى لو كانت النتيجة المتوقعة، وقوع سوريا في فوضى عارمة، وسيلان الدماء كالأنهار في كل مكان. فالفوضى هي المرتع الذي يلائم مصالحهم، والساحة المفضلة لهم، لفتح الحسابات وتصفيتها، ولاستئناف المشهدية السابقة ولو مع تعديلات جوهرية.

لكن الرئيس السوري أدرك طريق الخروج من عنق الزجاجة، أو من الفخ المرسوم بعناية في الساحل، فسارع إلى ضبط الميدان، واعتقال المتجاوزين للأوامر من أفراد الدولة الجديدة، ومن المسلحين غير النظاميين، وتشكيل لجنة تقصّي حقائق، علماً أن الأجهزة الدولية والشبكات الحقوقية لديها مصادر معلوماتها، وتعلم ما حدث، ومن هو المسؤول، ومن هي الجهات المتورطة. إلى ذلك، عقد الاتفاق التاريخي مع قسد، المدفوعة أميركياً للتفاهم مع دمشق، قبل أن تكون وحيدة في الميدان، بعيد انسحاب القوات الأميركية في شرق سوريا. وحتى لو لم ينجح الاتفاق بشكل حرفي وكامل، في دمج أفراد القوات الكردية كما يجب في الدولة ومؤسساتها العسكرية، إلا أن توقيت الاتفاق جاء في لحظة مؤاتية تماماً لاستعادة الزخم الذي بدأ مع التحرير من أجل بناء قوة سوريا كدولة مركزية في المنطقة.

الإعلان الدستوري

في هذا السياق، جاء توقيع الرئيس الشرع أمس الخميس على الإعلان الدستوري الذي يُطلق الفترة الانتقالية ومسارات تشكيل السلطة. هذا الإعلان يتألف من مقدّمة وأربعة أبواب.

في المقدمة، بقي اسم الدولة، وهو الجمهورية العربية السورية. وكذلك على أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام. وأن المصدر الأساسي للتشريع هو الفقه الإسلامي، مع التزام الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض والشعب من خلال إدارة التنوع وحفظ الحقوق الثقافية واللغوية لكل السوريين بما يتلاءم مع دولة المواطنة.

في الحقوق والحريات، تلتزم الجمهورية العربية السورية باتفاقيات حقوق الإنسان المُصدَّق عليها من قبل الدولة السورية، وعلى حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، وصون حرمةَ الحياة الخاصة.

أما لجهة المشاركة السياسية، جرى التأكيد على صدور قانون جديد ينظّم المشاركة السياسية على قدْر من المساواة والأسس الوطنية، وضمان حقّ الملكية، وحقِّ المرأة في المشاركة بالعمل والعلم وكفالة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية. يمارس مجلس الشعب السلطةَ التشريعيةويعين الرئيس ثلث الأعضاء حرصاً على مشاركة الجميع في المجلس، حتى يتسنى له سدُّ النقص الحاصل في تمثيل المرأة أو الكفاءات. ويتولى مجلس الشعب العمليةَ التشريعيةَ كاملة وبشكل منفرد والعفو العام، وله الحقُّ في عقد جلسات استماعٍ للوزراء، يأتي كلُّ ذلك تأكيداً على الفصل بين السلطات.

في السلطة التنفيذية، يتولاها رئيس الجمهورية يساعده في مهامِّه وزراء. ولم يُمنح الرئيس إلا سلطة استثنائية واحدة وهي إعلان حالة الطوارئ، مع تقييدها بالوقت والموافقة من مجلس الشعب في حال أراد التمديد.

في السلطة القضائية. أُبقي على القضاء المزدوج (القضاءَ الإداري والعادي)، مع حلِّ المحكمة الدستورية القائمة لأنها من بقايا النظام البائد، وإعطاء الحقِّ لرئيس الجمهورية بتعيين محكمة دستورية جديدة تمارس مَهامَّها وفق القانون السابق، ريثما يصدر قانون جديد ينظّم عملها واختصاصاتها.
وفي الختام، وُضع الأساس الدستوري للعدالة الانتقالية من خلال مجموعة من الإجراءات، منها إلغاء القوانين الاستثنائية، وإلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرةِ عن محكمة الإرهاب، وإلغاء الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتعلقة بالوثائق المدنية والعقارية. وحُدّدت المرحلة الانتقالية بخمس سنوات. كما نصَّ الإعلان الدستوري على ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة