خاص أيوب


تحديث القوانين بين ثبات العدالة ومتغيّرات العصر

السبت 29 تشرين الثاني 2025 - 0:09

كتب (راشد شاتيلا)

القانون هو العمود الفقري لأي دولةٍ حديثة، والعين التي ترى من خلالها العدالة طريقها إلى التطبيق. لكنه، رغم طبيعته الثابتة، لا يمكن أن يظلّ جامداً في وجه الزمن. فالتقدّم العلمي، والتحوّل الاجتماعي، والانفجار الرقمي، فرضت جميعها واقعاً جديداً يتطلّب قوانين تتجدّد بروحٍ حديثة دون أن تفقد جوهر العدالة. ومن هنا تنشأ الحاجة إلى تحديث القوانين كشرطٍ أساسي لبقاء الدولة متوازنة وعصرية.

إنّ القوانين التي وُضعت في منتصف القرن الماضي لم تعد قادرة على معالجة تعقيدات الحياة الراهنة. فجرائم الإنترنت، والبيانات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية، خلقت عالماً لم يكن يخطر ببال المشرّع القديم. ومن غير المنطقي أن تُطبّق أدوات الأمس على قضايا اليوم. فالتشريع الحديث يجب أن يكون مرآةً صافية للواقع، يواكب تطوّره ويُوجّهه في الوقت ذاته.

تحديث القوانين لا يعني المساس بجوهر العدالة، بل تطوير الوسائل التي تضمن تحقيقها. فالمبدأ هو نفسه: حماية الحقوق، وصون الحريات، وتحقيق المساواة. لكنّ الوسائل تتبدّل لتناسب العصر. فالقانون الذكي هو الذي يعرف كيف يوازن بين الثابت والمتغيّر، بين النصّ والواقع، بين الصرامة القانونية والمرونة الإنسانية.

ومن أهمّ ركائز التحديث، إدخال التكنولوجيا في العملية التشريعية. فالبرلمانات الحديثة ستعتمد على قواعد بيانات رقمية، ومنصّات تفاعلية تمكّن المواطن من المشاركة في مناقشة مشاريع القوانين. كما تُستخدم الخوارزميات لتحليل أثر أي قانون قبل إقراره، لتجنّب الثغرات أو التضارب مع قوانين أخرى. بهذا الشكل، يتحوّل التشريع من عملٍ مغلق إلى عمليةٍ تشاركية شفافة.

لكنّ تحديث القوانين لا يمكن أن يتمّ في فراغ. فهو يحتاج إلى رؤية وطنية واضحة تحدّد أولويّات الإصلاح. فلا فائدة من سنّ قوانين متقدّمة على الورق إذا لم تُنفّذ بعدالة وصرامة على أرض الواقع. فالقانون لا يعيش بالنصّ فقط، بل بالتطبيق، وبإيمان المواطن أنّ الجميع متساوون أمامه دون استثناء أو تمييز.

 

كما يجب أن يكون التحديث شاملاً لا جزئياً. فالقانون التجاري لا ينفصل عن القانون الجزائي، وقانون البيئة يرتبط بقانون الاستثمار، والقوانين الإدارية تُكمل المنظومة القضائية. لذلك، فإنّ الإصلاح التشريعي الحقيقي لا يتحقّق إلا من خلال رؤية شاملة تربط بين جميع فروع القانون في إطارٍ وطني واحد، يحمي الحقوق ويشجّع التنمية في الوقت ذاته.

إنّ تحديث القوانين ليس ترفاً فكرياً، بل شرطٌ للبقاء في عالمٍ يتغيّر كلّ دقيقة. فالدولة التي تُحدّث قوانينها تُثبّت موقعها في التاريخ، وتُعلن أنّ العدالة عندها ليست ماضياً يُستعاد، بل مستقبلاً يُبنى. حينها يصبح القانون ليس مجرّد نصوص جامدة، بل لغة حيّة تعبّر عن ضمير الأمة وتُجسّد إرادتها في التطوّر والعدالة معاً.

 

 



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة