قضايا وتقارير


عامان على 7 أكتوبر: أيّ مستقبل للحزب؟

الاثنين 13 تشرين الأول 2025 - 0:07

 

نشرت مجلة الدراسات الفلسطينية مقالة نقلاً عن "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن" للمسؤول السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي جاك نيريا. هي جزء من كتاب المؤلف، والذي من المتوقع صدوره قريباً بعنوان: "حسن نصر الله: نهاية الأيام".

حملت المقالة عنوان "عامان على 7 أكتوبر: أيُّ مستقبل لحزب الله؟". جاء فيها:

إن الضربة غير المسبوقة التي تلقّاها حزب الله من إسرائيل أدّت إلى تغييرات جذرية في الواقع اللبناني. فجأة، أصبح حزب الله موضع انتقاد في لبنان. لقد تم تحميله مسؤولية التسبب بعودة  الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، وثبت أن سلاحه الاستراتيجي عديم الفائدة أمام التفوق التكنولوجي والجوي الإسرائيلي، كذلك اخترقت الاستخبارات الإسرائيلية أجهزته الأمنية الأكثر حساسيةً، ونتيجةً لفتح "جبهة الاسناد" ضد إسرائيل، تم تدمير 22 من أصل 29 قرية على الحدود مع إسرائيل، وتضرّر أكثر من 60 ألف منزل، واضطر نحو 120 ألف مواطن من الجنوب اللبناني إلى النزوح شمالاً، وهو ما شكّل ضغطاً هائلاً على البنية الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية.

اتُّهم حزب الله بالمشاركة في حرب لا تهمّ اللبنانيين أساساً. والدليل على ذلك أن "حماس" بدأت الحرب من دون التشاور مع حلفائها في "جبهة المقاومة"، أو تبليغهم مسبقاً. ووفق العقيدة العسكرية لحسن نصر الله، كان  من المفترض أن تمنع "جبهة الاسناد" إسرائيل من استخدام كامل قوتها ضد "حماس"، لكن على الرغم من أن إسرائيل اضطرت إلى إبقاء ما يعادل فرقتين عسكريتين على حدودها الشمالية، فإنها لم توقف اجتياحها البري لقطاع غزة، بل دمرت بشكل منهجي البنية التحتية والآلية العسكرية لـ"حماس".

إن الحملة العسكرية الإسرائيلية، رداً على صواريخ حزب الله، والتي أسفرت عن مقتل 12 طفلاً كانوا يلعبون كرة القدم في قرية مجدل شمس الدرزية، فاجأت نصر الله وأفقدته توازنه.

ففي أقل من أسبوع، نجحت إسرائيل في تصفية القيادة العليا لميليشيات حزب الله، وقتلت كبار ضباط "قوة الرضوان"، وهم قادة عرفهم نصر الله شخصياً منذ تولّيه منصب الأمين العام في سنة 1992.

الرد الإسرائيلي أحدثَ واقعاً جديداً

إن معادلة الردع المتبادل التي سادت منذ سنة 2006 بين إسرائيل وحزب الله، تم محوها، وأوضحت إسرائيل أنها لم تعُد تقبل "معادلة التوازن" التي صاغها نصر الله: "أنتم تصعّدون، نحن نصعّد". لقد ولّت الأيام التي تفاخر فيها نصر الله، قائلاً: "لو كان لبنان كما كان عليه قبل ثلاثين عاماً، وكانت إسرائيل كما كانت عليه آنذاك، لما بقيت الخيمة التي نصبناها على الخط الأزرق (كمناورة ضد إسرائيل) في مكانها أكثر من دقيقتين".

جرت الانتخابات الرئاسية، بعد أن كان حزب الله يعرقلها، بسبب إصراره على أن يكون مرشحه هو الوحيد المقبول. وفي كانون الثاني/ يناير، تم انتخاب جوزاف عون، قائد الجيش السابق والمرشح الموالي للولايات المتحدة، رئيساً للجمهورية، وفشل حزب الله أيضاً في تعيين رئيس وزراء، وفي تأليف الحكومة، وفقد حق الفيتو الذي كان يتمتع به في حكومات سابقة.

الإجراءات ضد حزب الله توالت الواحدة تلو الأُخرى

 إقالة 40 موظفاً في الجمارك في مطار بيروت الدولي لخدمتهم مصالح حزب الله؛ حظر هبوط الطائرات الإيرانية التي تحمل أموالاً نقدية للميليشيات؛ إلغاء جميع بطاقات الـVIP التي كانت تتيح لعناصر حزب الله التنقل بحُرية في الجنوب اللبناني؛ منع التهريب عبر 136 معبراً غير شرعي على الحدود مع سورية؛ وقف عمليات نقل الأموال من سورية والعراق إلى لبنان.

بدأت السلطات اللبنانية، بضغط أميركي، بمحاولة تفكيك الهرم المالي لحزب الله، عبر البنك الموازي الذي أنشأه في سنة 1982، "القرض الحسن"، لكن الضربة الأكبر لحزب الله جاءت من سورية، حين سقط نظام بشار الأسد، وتم إنشاء نظام سنّي جديد معادٍ لإيران وحزب الله، وهو ما قطع الطريق البرية التي كانت تستخدمها إيران لنقل السلاح والأفراد والتكنولوجيا والأموال إلى حزب الله في لبنان.

الآن، يواجه حزب الله ثلاث جبهات:

  1. الجبهة الداخليةحيث يسعى للحفاظ على موقعه على الرغم من التغييرات الجذرية.
  2. الجبهة الإسرائيليةالتي تواصل استهداف قادته ومراكزه في الجنوب وأماكن أُخرى من لبنان.
  3. الجبهة السوريةحيث يعتبره النظام الجديد عدواً، الأمر الذي يتطلب تقديم تنازلات كبيرة لتجاوُز خصومة عمرها مئة عام.

- ركّز الحزب، تحت قيادة أمينه العام الجديد نعيم قاسم، على إعادة بناء صفوفه بعد مقتل، أو إصابة المئات من قادته، وتدريب مجندين جدد، استعداداً لجولة جديدة من القتال مع إسرائيل.

- في الوقت الحالي، اضطر الحزب إلى التواري وتجنُّب شن أي عمليات ضد أهداف إسرائيلية، سواء في الجنوب اللبناني، أو خارجه، لأسباب عديدة: لا يملك القدرة على صدّ أي هجوم إسرائيلي، وأيّ هجوم سيُعتبر تهديداً للحكومة اللبنانية الجديدة، لذا، اختار الحزب الاحتماء بـ"الأخ الأكبر"، نبيه بري، رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل.

شيئاً فشيئاً عاد حزب الله إلى الواجهة

- وكان الحدث الحاسم هو مطالبة الحكومة اللبنانية جميع الميليشيات بتسليم سلاحها للدولة، وهو أمر لا يمكن لحزب الله قبوله، لأن سلاحه هو أساس شرعيته، رفض حزب الله هذا الطلب، محذراً من أن أيّ محاولة لنزع سلاحه ستؤدي إلى حرب أهلية؛

- الرئيس جوزاف عون يدرك أنه لا يستطيع إصدار أمر للجيش بنزع سلاح حزب الله، لأن الجيش سينقسم إلى ميليشيات طائفية؛ حزب الله يدعو إلى استراتيجية دفاع وطني، أي أن يقدّم قدراته للدولة من دون أن يتخلى عنها فعلياًلكن بالنسبة إلى الحكومة، هذا يعني تحويل الجيش إلى أداة في يد الحزب؛ الحكومة، من جهتها، ألقت اللوم على إسرائيل، زاعمةً أن انسحابها من الجنوب سيمنحها الشرعية لنشر الجيش اللبناني هناك، متجاهلةً أن حزب الله سيبقى؛ الصدام بين الحكومة وحزب الله لن يحدث  لأسباب عديدة، لكن كلما طال بقاء إسرائيل في مواقعها الخمسة على الحدود، كلما ازدادت احتمالية تجدُّد المواجهة بين الطرفين؛ الحرب مع إسرائيل وسقوط نظام الأسد قلّصا دور حزب الله الإقليمي، وهو الدور الذي صممته له إيران كأداة لتصدير نفوذها وهيمنتها في المنطقة.

- لم يتبقَّ لحزب الله في المشهد السياسي اللبناني الجديد سوى سلاحه، الذي يحفظ له دوراً سياسياً مهماً. إن فلسفة الحزب تقوم على البقاء عبر التمسك بسلاحه، ووفقاً للعقيدة الشيعية التي كثيراً ما يستشهد بها مؤخراً تحت ما يسمى "متلازمة كربلاء"- الاستعداد للقتال والموت (أي الاستشهاد) على ألّا يستسلم لخصومه السياسيين.

- في ظل هذا الواقع، قد لا يحدث التغيير الحقيقي إلّا بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في ربيع 2026 (إذا ما جرت في موعدها).

- إن فوز حزب الله وحركة أمل بالمقاعد الشيعية الـ27 بالكامل، وتجديد التحالفات مع بعض القوى المسيحية والسّنية، قد يمهّدان لإسقاط الحكومة الحالية وإعادة حزب الله إلى موقع القوة، ومنع ازدياد تآكل نفوذه.

 



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة