منوعات


شعبان: الشهر الذي تُرفع فيه أسرارك إلى السماء

الجمعه 31 كانون الثاني 2025 - 18:25

كتب (الشيخ د. باسم عيتاني)

هل تعلم أن هناك شهرًا يمر بين رجب ورمضان، يحمل في طياته سرًا عظيمًا؟ إنه شهر شعبان، الشهر الذي تُرفع فيه أعمال العباد إلى السماء. تخيل معي: تُرفع صحيفتك إلى الله، فماذا ستجد فيها؟ هل ستجد أعمالًا صالحة ترفعك إلى الجنان، أم ستجد تقصيرًا وذنوبًا تثقل كاهلك؟

هل تريد أن تُرفع أعمالك وأنت ترتشي، أو تكذب، أو تغش، أو تختلس أموال العامة، أو تؤذي الآخرين بالغيبة والنميمة؟

أم تفضل أن تُرفع أعمالك وأنت في نور من التوبة، أو أنت متصدقٌ بمالك، أو ذاكرٌ لله في أحوالك، أوقائمٌ الليل بخشوع، أوتتعامل مع الناس بوجه طلق وقلب سليم، أو تحسن إليهم بكل ما تستطيع؟

هل تسعى لأن تُعرض أعمالك في لحظة صفاء روحي، حيث يلتقي جسدك مع روحك في طاعة خالصة، ويشع قلبك بحب الله تعالى، فتُرفع أعمالك إلى السماء في أسمى حالاتها، وقد ملأتك السكينة والطمأنينة؟

شعبان ليس شهرًا عاديًا يمر كغيره، بل هو فرصة ذهبية لمراجعة الذات وتصحيح المسار قبل أن يهل علينا شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة، هو الوقت المثالي للتوبة، والاستغفار، والإكثار من الصيام والطاعات، حتى يدخل رمضان وأنت نقي صافٍ، تقابل حبيبك الذي تنتظره من سنة إلى سنة، فلنغتنم هذه الفرصة العظيمة، ولنحرص أن تكون صحائفنا بيضاء ناصعة، تُسطر فيها طاعاتنا، وتُمحى منها ذنوبنا، لعلنا نفوز برضوان الله ومغفرته، فما زال الوقت بأيدينا، فلنبدأ الآن!

إنّ للأوقات المباركة مكانة عظيمة في حياة المسلم، حيث تُعرض فيها الأعمال، وتُرفع إلى الله عز وجل، لتكون فرصة لتجديد العهد معه ومراجعة النفس. من بين هذه الأوقات، يأتي شهر شعبان ليحمل معنى خاصًا في رفع الأعمال، حيث يُرفع فيه عمل العبد على وجهٍ سنوي، كما يُرفع في يومي الإثنين والخميس على وجه أسبوعي، كلٌ له حكمة وأثر..

"في يومي الإثنين والخميس، تُعرض أعمالنا على الله عز وجل. فكيف نريد أن تكون تلك الأعمال؟ هل نرغب أن تُعرض علينا ونحن في أفضل حال، وقد نَقَّينا قلوبنا وأعمالنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُعرَض الأعمالُ يومَ الإثنينِ والخميسِ؛ فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ». ولكن هناك وقت آخر يُرفع فيه الأعمال بشكل أوسع وأكبر، في شهر شعبان، الذي يغفل عنه كثير من الناس بين رجب ورمضان. عن هذا الشهر، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه لأسامة بن زيد رضي الله عنه: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم».

وفي هذين الحديثين، نجد عرضين للأعمال: أسبوعي في الإثنين والخميس، وسنوي في شعبان. لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على أن يُعرض عمله في كلا الحالين وهو صائم؛ فالصيام هنا ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب فحسب، بل هو حالة من الارتقاء الروحي، فلمّا نصوم، نتشبه بعالم الملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون، ولا ترتبط أجسادهم بمغريات الدنيا. بهذه الحالة، يرتفع الصائم إلى رتبة الملائكية، ويكون في أرقى حالاته الروحية، ليكون عمله أكثر قبولًا عند الله حين يُرفع إلى السماء.

وها نحن على مشارف لحظة لا تتكرر، حيث تُرفع أعمالنا وتُعرض صحائفنا أمام الرحمن. ألم يحن الوقت لتصفية هذه الصفحات، لنعيدها بيضاء نقية من كل خطأ؟ هذا الشهر، الذي يمضي في صمت بين رجب ورمضان، هو فرصة غالية لاستعادة النقاء الروحي. فلنغتنمها كما يغتنم العبد آخر لحظة من عمره، ليتجدد إيمانه ويستعد للقادم، فلنملأ صحائفنا بما يرضي الله ولنسِر إلى رمضان ونحن في أرقى درجات الطهارة والنقاء.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة