
السبت 1 آذار 2025 - 0:06
كتب (الشيخ د. باسم عيتاني)
ها قد دخل رمضان، فهل سيكون مجرد أيامٍ تمر كالظلال، أم بدايةً لسفرٍ طويل نحو القرب المعنوي من الله؟ إن استغلال هذا الشهر لا يتوقف عند العبادات الظاهرة، بل يمتد إلى إعادة ترتيب علاقتنا مع الله، ومع أنفسنا، ومع الآخرين، فالصلاة ليست حركاتٍ تُؤدى، بل هي لقاءٌ يجدّد فيك الحياة، ويسكب في قلبك السلام. رمضان فرصةٌ لجعل الصلاة محورًا للحياة اليومية، والانتقال بها من عادةٍ إلى عبادةٍ تنعكس آثارها في كل جوانب السلوك. وهذا التحول يحتاج إلى تنظيمٍ واعٍ يضمن حضور القلب والالتزام بأوقات الصلاة. أما صلاة التراويح، فهي رحلةٌ في جنح الليل، حيث تتنزل الرحمة، وتتجلى الأنوار، وكل سجدةٍ فيها محطةٌ يتجدد فيها الإيمان. ولا تكتمل هذه الرحلة إلا بترتيبٍ مسبقٍ يجعلنا نستعد لها بقلوبٍ خاشعةٍ وأوقاتٍ مخصصة.
كما أن الصلاة حياةٌ للروح، فإن القرآن هو النور الذي لا ينطفئ. فكيف ستكون علاقتنا معه في هذا الشهر؟ هل سنجعله مجرد كلماتٍ تمر على اللسان، أم سنغوص في معانيه ونجعله مرآةً تنعكس فيها نفوسنا؟ رمضان هو الوقت المثالي للتخطيط لقراءة القرآن بشكل يومي، وتخصيص وقت للتدبر في معانيه والعمل بما فيه، ليصبح مرشدًا ونورًا يضيء طريقنا.
ومن نور العلم أيضًا، فلا ينبغي أن يكون رمضان شهر عبادةٍ بلا فهم، بل هو فرصة لتجديد الصلة بالعلم، فيمكننا تخصيص وقتٍ أسبوعي لدراسة موضوعات علمية مفيدة، وحضور دروس علمية عند العلماء، حتى لا يبقى العلم مجرد معلوماتٍ تُحفظ، بل يصبح نورًا يهدي ويوجّه في حياتنا اليومية.
ولا يكتمل المعنى الحقيقي لرمضان دون العطاء، فالصدقة ليست مالاً يُدفع فحسب، بل هي تعبيرٌ عن الرحمة والشعور بالآخرين. لذلك، ينبغي أن نخطط لتنظيم صدقاتنا طوال الشهر، ونجعلها جزءًا من روتيننا اليومي أو الأسبوعي، حتى نصبح أكثر ارتباطًا بالمحتاجين، ونشعر بعطائنا المستمر.
ومن أوجه الخير أيضًا صلة الأرحام التي قد تضعفها مشاغل الدنيا، فيأتي رمضان ليذكرنا بأهميتها. لذلك، يمكننا تخصيص وقت لزيارة الأقارب أو التواصل معهم بشكل منتظم خلال هذا الشهر، ليكون فرصةً لإعادة بناء العلاقات ومدّ جسور المحبة التي تقطّعت.
ولا ننسى تعزيز الروح الجماعية من خلال تنظيم جلسات عائلية لقراءة القرآن، أو التطوع لإطعام المحتاجين. بالإضافة إلى الاستفادة من التكنولوجيا عبر استخدام تطبيقات إسلامية لتذكيرنا بالعبادات، دون أن تشغلنا عن التدبر والخشوع؛ فهذه الأدوات يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لتنظيم عباداتنا، ولكن يجب استخدامها بحذر حتى لا تُفقدنا التجربة الروحية العميقة.
لنجعل رمضان هذا العام بدايةً لرحلةٍ روحيةٍ طويلة، تبدأ بالتخطيط، وتستمر بالإخلاص، وتنتهي بالتقوى التي تدوم طوال العام.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط