منوعات


رحل سليم الحص بعد أن رحل لبنان

الاثنين 26 آب 2024 - 0:05

كتب (أيوب)

يشبه سليم الحص ناسه في بيروت، كما هم يشبهونه بسيئاتهم وحسناتهم.

في حسناته هو رجل مثل ناسه. نظيف الكف آدميّ لا يحمل في دواخله عداوات ولا خصومات. كما أنه في الوقت نفسه لا يتراجع ولا يميل عن ما يقتنع أو يُقنع نفسه به. يتجنّب المعارك والمواجهات، ويحيد عن الصراعات والتحديات.

هو كقومه وناسه يخدم الجار، ويكرّم البعيد، ويتجنّب المشاكل مع الجميع. يتعامل مع الناس على أنهم يفكرون مثله، ويؤمنون بما يؤمن، ويحرصون على ما يحرص.

في حسناته أنه رحيم حتى بأصغر الحيوانات، وهو الذي امتنع عن أكل اللحوم، والتزم بتناول النبات. لا يُذكر عنه على أنه اشتكى على أحد أو تقدّم بدعوى قضائية ضدّ أحد وكأن لسان حاله كلسان حال ناسه وأهله "لماذا وجع الرأس" أو "القصة لا تستأهل" أو "شو بدنا بالمشاكل"، وكثيرة هي الجمل المشابهة عندما يقتنع القوم أنهم أم الصبي، ومسؤولون عن حياة الصبي وكلّ الصبية في البلد.

في سيئاته يشابه أيضاً قومه وناسه أنه يتسامح مع الجميع إلا عند اقتسام التركة أي الإرث. وكم من عائلة بيروتية تختلف على اقتسام إرثها رغم رفعها لشعار المسامحة طوال حياتها.

في سجل أهل سليم الحص وناسه في بيروت لا وجود للمعارك ضد الغير. فقط معاركهم على إرثهم وتركتهم. هكذا كان سليم الحص في السياسة يشبه أهله. ما تصارع خلال حياته السياسية مع الآخرين من غير قومه، بل سالمهم حتى ظنوا أنه حليفهم الوحيد. فيما وقف مشاكساً معانداً أبناء قومه من رؤساء الحكومة السابقين والراحلين ممن توفاهم الله، أو اغتيلوا برصاص غدّار لئيم. ومن سيئاته أنه كان يؤمن بالدولة، وكان ينادي بها حين كان الآخرون يتحسّسون قالب قالب الجبنة قبل اقتطاعه فضاعت الدولة وخرج قومه دون حصة من الجبنة.

يرحل اليوم سليم الحص 95 عاماً عن لبنان. لبنان يكبر سليم الحص فقط بتسع  سنوات. إلا أنّ صفات سليم الحص كرجل دولة كبيرة على لبنان بمئات السنوات.

يرحل سليم الحص تاركاً خلفه تجربة رجل آدمي أحبه الجميع دون أن يوافقوه على جميع ما فعل وقدّره الكثيرون دون أن يجعلوا منه قدوة في العمل.

يرحل سليم الحص عن لبنان تاركاً خلفه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام والجدل. لكنه سيبقى رئيساً لحكومة لا مكان لها في لبنان. رئيساً لحكومة كلّ لبنان وليس زعيماً لطائفة أو مذهبٍ أو حزبٍ أو جماعة قد شُكلت في زمن من الأزمان.

يرحل سليم الحص وليس في رقبته قتيل واحد من أبناء لبنان، أو فلس واحد من خزينة لبنان.

يرحل سليم الحص وقد سبقه إلى الرحيل وطن اسمه لبنان.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة