
الاثنين 10 حزيران 2024 - 0:01
إعداد (رنا عيتاني)
لم يعد شارع الحمرا يشبه نفسه، كل شيء تغيّر لا مقاهي الرصيف بقيت كما يعرفها البيارتة أو زوار بيروت. الويمبي والمودكا وكافييه دو باري كلها باتت ذكريات لأجيال هرمت، فيما الأجيال الشابة لا تعرفها فكيف نتذكرها؟
اليوم، القصة لم تعد فقط تلك المقاهي التاريخية أو صالات السينما الشهيرة التي استضافت معظم تراثنا الفني. شارع الحمرا اليوم يفقد هويته بكل ما للكلمة من معنى. يتحوّل الشارع بسرعة قياسية إلى ما يشبه المستوطنة السورية، حيث كل شيء تغيّر من أسماء المحلات إلى وجوه الناس المتجولة ولكناتها. لا بل أكثر من ذلك تحوّل الشارع والأزقة المتفرعة منه مكاناً لكل الموبقات والأفعال التي يحاسب عليها القانون.
"وفيق. ش" من أبناء رأس بيروت يقول لـ"أيوب": "أصبحنا غرباء في شارع الحمرا لا نأمن على أولادنا بالسير فيه ليلاً، على الأرصفة ترى شباناً سُكارى يتعاطون الممنوعات ولا وجود للأجهزة الأمنية. يومياً هناك تضارب في الشارع ومسدسات تُرفع، لقد بات شارع الحمرا خارج القانون".
"سليم. ع" ولد في شارع الحمرا وأملاك عائلته في الشارع يقول لـ"أيوب": "في منتصف الليل، هناك شباب سكارى يطرقون كل أبواب المنازل. لا نجرؤ على فتح أبوابنا واتصلنا مراراً وتكراراً بالشرطة دون جدوى، أيام العزّ كانت هناك دوريّات أمنية طوال الليل، اليوم لا يوجد أحد. أين شرطة بيروت وأين شرطة البلدية؟ لقد باتت رأس بيروت غابة".
من جهته "وسيم. ش" قال لـ"أيوب": "المحلات باتت للغرباء وأكثرهم غير قانوني وغير مسجل وليس هناك من يحاسب. نحن ندفع رسوم البلدية، فيما الغرباء من سوريين وغير سوريين لا يدفعون بل يعتدون على الأملاك العامة من أرصفة وجدران، وعندما نشتكي يقولون لنا: "ادفعوا ما يتوجب عليكم ولا تتمثلوا بغيركم".
ابن رأس بيروت النائب السابق محمد أمين عيتاني وجّه منذ أيام كتاب مفتوح إلى محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود قال فيه: "قبل أن يصبح النزوح في شوارع بيروت نزوحاً ثانياً لأهالي بيروت نطالب بإزالة جميع المخالفات وإعادة ترتيب شارع الحمراء.
تعرفون دون شك، أن الجميع يتغنى بمنطقة رأس بيروت، ويعتبرونها نقطة الالتقاء بين جميع مكونات الوطن الواحد. لا فضل لمواطن فيها على مواطن، إلا ما يقدمه لخير أهالي تلك المنطقة وسكانها .
ومن المؤكد ايضاً أنّ القلب النابض لرأس بيروت هو شارع الحمراء، يصل شرقها بغربها ويشغله أناس على قـدر كبير من المواطنية الصادقة وتجمعهم ايضاً المحبة والطوق إلى العيش الكريم النظيف، بعيداً عن النفايات المؤذية، والروائح الكريهة المؤلمة.
وتتسابق منطقة رأس بيروت، في جميع شوارعها، والحمراء على وجه الخصوص، مع مختلف مناطق العالم حضارة وثقافةً وعلماً وفناً، بوجود المكتبات والجامعات ودور العلم، التي تتمتع بحرية لا حدود لها، واهتماماً واضحـاً شعبياً ورسميـاً حتى في ادق التفاصيل مما ساهم في إعطاء هذا الشارع رونقاً خاصاً، وشهرة محلية وعربية، ودفع بالرئيس الحريري بحضوري أن يُصر على إعـادة ترميم هذا الشارع (وتبليطه) بالبازلت الأسود، لإعطائه ما يستحق من الأهمية السياحية والسمعة الطيبة.
الحمراء، يا سعادة المحافظ، هو اليوم سجن كبير تقطنه أفواج من النازحين، السوريين وغير السوريين، التي جعلت من أرصفته متجراً، ومن أرضه مسرحاً، ومن زواريبه ملهى ليلياً للفقراء، وحتى سوقاً مفتوحاً، لمن يحض على ما يُجنبه الدين، بأسعار مغرية.
وشارع الحمراء أيضاً أصبح حماماً ومرحاضاً لسائر هؤلاء النازحين، كباراً وأطفالاً، حتى الشجيرات الخضراء التي تُزّين ضفتي الشارع أصحبت صفراء شاحبة عطشى مهددة باليباس.
سعادة المحافظ، أعرف ألمك وتأثرك وأعرف ايضاً أنّ ما أريد منه شبراً، تريد منه متراً. وأنك أمام جبل نزوح هائل لم تعطك الدولة سوى ملعقة شاي صغيرة لإزالة جبل الذل وإعادة التألق لشارع يتمتع بالعزة والكرامة وحسن الضيافة.
وجميعنا يدرك أن للعطاء والمساعدة حدوداً معروفة، يجب أن لا تلامس قدرة اللبنانيين على مد يد العون للنازحين ، ولا أن تتخطى حجم استيعابهم .
فالمطلوب يا سعادة المحافظ العمل الدؤوب والسريع إلى إعادة الشارع إلى وضعه الطبيعي والحرص على عدم تمدده أو استقبال "نزلاء" جدد تحت اية ذريعة، واستحداث نقطة أمنية خاصة بهذا الشارع رغم قربه من فصيلة رأس بيروت التي لم تقصّر في العمل بصدق وامانة ضمن الامكانيات المتواضعة، لحين نجاح من يسعى بالمفاوضات لعودة سليمة وسريعة للنازحين، حتى لا يتحول النزوح واقعاً دائماً، وهذا ما لا نطمح إليه ولا ونريده.
لسنا نريدك يا سعادة المحافظ ان تأمر بتوجيه قوات الأمن لإخراج من سكن الحمراء دون مسوغ أو رجاء، وأن لا تُترك العائلات البيروتية تواجه قدراً محتوماً فُرض عليها وحتى لا يُنتـج النزوح نزوحاً ثانياً للأبرياء من أصحاب المحال التجارية ورجال الأعمال، نطلب من سعادتكم، في حدود ما تبقّى من إمكانيات، حماية وإزالة المخالفات وإعادة ترتيب هذا الشارع، الذي لم يبق له باب ولا شباك. فقد أضحى شارع الحمراء مستبــاح.
سعادة المحافظ انها لحظات تاريخيّة يمر بها هذا الشارع الذي يعتبر عنواناً للعيش المشترك، ولا أجد عذراً لمن يضع العراقيل في وجه إعادته لسابق عهده".
شارع الحمرا وسكانه يعيشون خطراً مزدوجاً خطر أمني وخطر فقدان الهوية. فهل من ينقذهم من هذا الخطر؟
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط