مجلة تكوين


تكامل علوم الشرع والاجتماع لا "أسلمة المعرفة"

الأربعاء 21 آب 2024 - 0:09

كتب (هشام عليوان)

.

في المبحث الخامس من كتاب الدكتور ساري حنفي: علوم الشرع والعلوم الاجتماعية، تبرز الاستنتاجات، إذ يشدّد المؤلف على أهمية تحقيق التكامل بين علوم الشرع والعلوم الاجتماعية، كي تؤدّي العلوم الاجتماعية دورها الرائد في حلّ المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العويصة، وخلق تصوّرات ورؤى جديدة تفتح آفاقاً لاجتهادات كثيرة وعميقة تُثري الدِّين والعلوم.

ويضيف: إنّ عملية التكامل وتوطين المعرفة لا تعني تبنّي سياق نظري محلّي كلّي في مقابل نظريات مادية غربية، بل تعني الإفادة من التراث العالمي والمحلّي في آن واحد، وغربلته لتشكيل إطار نظري لدراسة موضوع ما قيد البحث. واعتبر المؤلف أنّ تجربة أسلمة المعرفة الذي أسّسه إسماعيل الفاروقي (قُتل في الولايات المتحدة عام 1986) عام 1981، لم تُسفر عن نتائج معرفية إلا القليل، وخاصة بعد تخلّي المعهد العالمي عن شعار "أسلمة المعرفة"، واعتماد شعار "تكامل المعارف". فالمشاكل المعرفية الناشئة عن بعض مفاهيم أسلمة المعرفة كما يقول المؤلف، جعلت من منتجاتها رؤية ذاتية جماعية أكثر منها معرفة عالمية. كما أنّ هنالك اختزالية مفرطة في كثير من المشاريع المؤسّسة للاتساق أو التوافق أو الأسلمة. وثمّة مبالغة في أهمية القيم على حساب المصالح والغرائز. ثم يطرح المؤلف مبكراً في هذه المرحلة من الكتاب، بديله المنهجي وهو الفصل والوصل، معتبراً أنّه لا توجد معرفة لها معنى دون التلاقح المعرفي أو الإثراء المتبادل بين التخصّصات. والكلمة المفتاحية مستعارة من سمير أبو زيد، وهي مفهوم الاتّساق consistency، بوصفه المفهوم الجوهري في النظرة إلى العالم. والسمة الأساسية التي تميّز هذه النظرة أن تكون متسقة مع ذاتها ومع العالم الواقعي.

استنتاج في الشكل:

1- من قراءة الأسئلة التي أوردها الدكتور ساري حنفي، والتي من المفترض بالكتاب أن يجد الإجابات عليها، في الأبواب والفصول والمباحث، وبالنظر إلى العناوين ما بين قراءة تحليلية في المناهج التعليمية ومكوّناتها في الكلّيات الإسلامية، ومحصّلة الاستبيانات والمقابلات مع عمداء وأساتذة وطلّاب في بعض كلّيات الشريعة من جهة، وطرح نظري في كيفية الربط ين علوم الشرع وعلوم الاجتماع، بل في تغيير طرائق الاجتهاد الفقهي، من جهة أخرى، يبدو الإسهاب حيث كان يمكن الاختصار، والاختصار حيث كان ينبغي التوسّع بهدف إشباع الفكرة، بمعنى وجود اختلال في حجم التناول لمواضيع دون أخرى؛ والأهم أنّ الطرح النظري كان مبعثراً في ثتايا الكتاب، وربما كان هذا متعمّداً، فيكون المقصود تكرار الفكرة في أكثر من موضع وبأكثر من أسلوب، من أجل التآلف معها، والتعامل معها دون كثير تفحّص ونقاش. ولكنّ الكتاب في نهاية التحليل، هو من طبيعة استكشافية، تجريبية، قابلة للتطوير.

2- ينطوي الكتاب على محورين ليسا بالضرورة مترابطين، بل من السهل التفريق بينهما. فلو بذل الكاتب جهده على المعطيات الثرّية التي تحصّل عليها من البيانات والاستبيانات والمقابلات، في معالجة القصور العام المرصود في الكلّيات الشرعية المعاصرة، لجهة المناهج والأساليب التعليمية المعتمدة، والأهداف التربوية المرسومة، والأدوار الاجتماعية المفترضة للخرّيجين، ونوعية الطلّاب المنخرطين في تلك الاختصاصات، ومستوى الذكاء لديهم بالمقارنة مع طلّاب الكلّيات الأخرى، النظرية والتطبيقية على حدّ سواء، كما سبر الفئات الاجتماعية التي ينتمون إليها، لكان البحث استئنافاً نوعياً لما أطلقه الشيخ ابن عاشور في كتابه: أليس الصبح بقريب من أجل إصلاح التعليم الشرعي، مع استعمال أدوات البحث الحديثة في علوم الاجتماع. ولكان الكتاب مكتفياً بذاته في هذا المجال. أما وقد عرّج الكاتب على موضوع آخر هو مختلف نوعياً، أي تناول القطيعة بين علوم الشرع وعلوم الاجتماع بشكل أُحادي، أي من طرف أهل الفقه تحديداً بإزاء علوم الاجتماع، والبحث في كيفية استدخال العلوم الاجتماعية في مناهج الكلّيات الشرعية، ليس فقط لإصلاح التعليم في هذه الكلّيات، وتخريج طلّاب أكثر أهليّة في مقاربة الواقع، وإصدار الأحكام الفقهية على حالاته ونوازله، بل لتحقيق هدف أعلى درجة، وهو إصلاح الاجتهاد الفقهي نفسه، من خلال التدخّل في آليات عمله، وقواعده الأصولية، فإن الكتاب يحتوي إذاً على نوع من الاستطراد في بعض مباحثه، لا سيما في القسم السارد لمناهج الكلّيات الإسلامية. فالأسئلة البحثية وحدها تكفي لإصدار دراستين في الأقل، منفصلتين على نحوٍ شبه كامل. الأولى تهتمّ بالإصلاح البيداغوجي للكلّيات الشرعية المعاصرة، باستعمال أدوات علم الاجتماع في البحث والتقصّي والاستنتاج، لتحسين مُخرجات المعاهد الإسلامية عبر تحسين مُدخلاتها. وبهذا تكون إضافة مهمّة على الدراسات المنشورة في الكتاب الجماعي نحو إعادة بناء الدراسات الإسلامية (2019). أما الدراسة الثانية، فتكون متخصّصة بعلاقة علوم الشرع بالعلوم الاجتماعية، ابتداء من محطة تاريخية مفصلية هي التوقّف عند تجربة ابن خلدون الذي استعمل منهجية الفصل والوصل في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي في محاولة هي الأولى من نوعها لربط علوم الشرع بعلم الاجتماع الناشئ الذي أسماه ابن خلدون "علم العمران".

3- اكتفى الكتاب بدرس تجارب التدريس الشرعي في بعض البلدان العربية والإسلامية، وأغفل تجارب أساسية لبلدان محورية، مثل المملكة العربية السعودية ومصر والعراق من جهة، وتركيا وإيران وباكستان وأندونيسيا من جهة أخرى. كما لم يذكر الكتاب إلا تجارب بلدان ذات أغلبية سنية، وأغفل على نحوٍ مطلق التدريس الشرعي في النطاق الجغرافي والمذهبي، غير السني، العربي والعجمي على حدّ سواء، فهل النماذج المذكورة في الكتاب عيّنة عشوائية ممثّلة لكافة الاتجاهات في العالم الإسلامي، بنظر المؤلّف، أم أنّ هذه العيّنة هي التي كانت متوافرة لفريق العمل دون غيرها من البلدان، أم أنّ تخصيص بلدان بالنقد والمراجعة لبرامج كلّياتها الإسلامية وإهمال تجارب بلدان أخرى، كان متعمداً، ولأيّ غرض؟ يفتقد الكتاب إلى أيّ تبرير من أيّ نوع.   

للاطلاع على كامل الدراسة:

إضغط هنا



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة