قضايا وتقارير


هل خسرت إيران شيعة لبنان؟

الاثنين 30 أيلول 2024 - 0:00

خاص (أيوب)

لم يعد اتهام إيران بالتخاذل أو التقصير أو حتى التآمر، مقتصراً على خصومها في لبنان، بل يكاد يكون حديث الساعة في البيئة الشعبية الحاضنة للحزب. وما كان همساً وتململاً خلال العام الحالي، بسبب إطلاق زعيم الحزب حسن نصر الله معركة إسناد غزة، في الوقت الذي رفضت فيه القيادة الإيرانية التورط في الحرب، أصبح انتقاداً لاذعاً وسط حالة شديدة من الغضب والحيرة وعدم التصديق، بإزاء ما يجري لمناطق مأهولة بأكثرية شيعية، لا سيما في الأسبوعين المنصرمين من قتل وتدمير وتهجير، على نطاق غير مسبوق، دون أن تفعل إيران أيّ شيء ملموس لردع إسرائيل. وإذا كانت إيران قد نأت بنفسها عن حركة حماس، وعن "طوفان الأقصى"، فهي لم تعلم ولم تأمر بها. فإن علامات التعجّب والاستفهام قد ارتسمت على الوجوه، عندما أهانها نتنياهو مرتين العام الجاري، فردّت بشكل رمزي في المرة الأولى على قصف الطائرات الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق، وقتل أحد كبار قادة الحرس الثوري العميد محمد رضا زاهدي، وذلك بقصف إسرائيل مباشرة لأول مرة في تاريخها بالصواريخ على أنواعها وبالمسيّرات دون إحداث أضرار ملموسة. وفي المرة الثانية، اغتال نتنياهو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، وهو في زيارة رسمية لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان، وكان في ضيافة الحرس الثوري، ولم تردّ طهران بعد بسبب الضغوط الأميركية. وحتى بعد اغتيال أمين عام حزب الله، وما يمثّله من احترام وتبجيل لدى الشيعة في العالم، وفي إيران خاصة، ومعه نائب قائد فيلق القدس في لبنان العميد عباس نيلفوروشيان، والذي حلّ مكان زاهدي. ومع ذلك اختلف المحافظون والإصلاحيون في إيران على احتمال الردّ من عدمه؛ المحافظون يريدون الانتقام لنصر الله والإصلاحيون لا يريدون المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة. إنه التخلّي الإيراني الصريح عن الحزب، منذ بدء المعركة التي يخوضها منذ عام تقريباً، لإسناد غزة، والتي تحوّلت إلى معركة مصيرية ووجودية، منذ 17 أيلول، مع انطلاق حملة إسرائيلية كبرى لتصفية قيادات الحزب، العسكريين منهم والأمنيين والسياسيين، من الصف الأول والثاني وحتى الثالث. انطلقت الحملة بتفجير أجهزة النداء (البيجرات)، واللاسلكي، بآلاف المنتسبين إلى الحزب. أما الأسبوع الدامي بين 20 و27 أيلول، فكان حافلاً، بين اغتيال قيادة وحدة الرضوان، واغتيال نصر الله مع عدد من مساعديه. وهذه هي ذروة الضغط الإسرائيلي على القيادة، دون أن يتوقف، بل يتواصل بعاصفة من الاغتيالات اليومية لبقية القيادات الذين ما زالوا على قيد الحياة. ومنهم مرشّحون بقوة ليخلفوا نصر الله على موقع الأمانة العامة للحزب. لكن هل إيران متهمة فقط بالتقصير والتخلّي عن أفضل مُنتج من منتجات الثورة الإسلامية على الإطلاق، أم هناك من مزيد؟ في واقع الأمر، هناك ما هو أسوأ، فثمة اقتناع متزايد بأن الخرق الاستخباري الواسع الذي كشف هيكيلية الحزب وقادته وكلّ شيء عنهم (داتا كاملة بالصورة والصوت والموقع وأمكنة التنقل والأقارب والأصدقاء، وربما نوع الهوايات التي يمارسونها)، جزء أساسي منه، آتٍ من إيران، وأفضل مثال على ذلك، كما يقول المنتقدون لإيران هذه الأيام، أنّ كلّ اجتماع في الآونة الأخيرة حضره قادة من الحزب ومن الحرس الثوري، انكشف أمام الطائرات الإسرائيلية، فتعرّض لضربات ساحقة. وحتى الآن، لم يستطع الإيرانيون إقناع العالم، ولا بيئة الحزب على وجه الخصوص بأن سقوط طوافة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، بسبب خطأ بشري. بل هو برأيهم عملية اغتيال، إما بيد عملاء الموساد الإسرائيلي، أو عملية من داخل النظام، وفي الحالتين، هناك خلية تخريبية واسعة النفوذ. وتجلى ذلك، في حادثة أخرى، لا تقلّ غموضاً، وهي كيفية اغتيال إسماعيل هنية، هل بصاروخ موجه من خارج المبنى، أم بعبوة ناسفة كانت مزروعة في غرفته. وإذا كانت الرواية الرسمية تشدد على أن أداة الاغتيال صاروخ من خارج المبنى، فإن الاحتمال الثاني، يتطلّب وجود خلية من عملاء الموساد داخل الحرس الثوري.

ماذا يعني ذلك كله؟

إنه يعني أنّ شرخاً معنوياً بدأ بالظهور بين إيران وشيعة لبنان، الذين يكادون أن يخسروا كل شيء في هذه الحرب الأكثر تدميراً من سنوات طويلة. وسيتسع هذا الخرق أكثر فأكثر، إذا لم تردّ طهران بالشكل المناسب على اغتيال إسرائيل لرجلها الأول في المنطقة العربية، فضلاً عن خسارة جنرال آخر من الحرس الثوري، بقنابل إسرائيلية. إنها لحظة مفصلية ومختلفة عن الأحداث السابقة، لما كان يمثّله السيّد نصر الله في الوجدان الشعبي. فإما أن تلتقط طهران الخيوط المنفلتة، فتثبّت رعايتها لشيعة لبنان، وإما أن تخسرهم بما لا يمكن استدراكه.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة