قضايا وتقارير


هزيمة استراتيجية أو حرب شاملة

الجمعه 2 آب 2024 - 0:00

كتب (هشام عليوان)

كنتُ قد تساءلت في مقال سابق تحت عنوان "مجزرة مجدل شمس..تغيير قواعد الاشتباك؟"،هل"يكون الردّ الإسرائيلي عسكرياً بحتاً، لكن يهدف إلى قتل أكبر عدد من المقاتلين والقادة في موجة اغتيالات مكثفة. وحتى في هذه الحالة سيكون الحزب مضطراً للتصعيد عسكرياً، وتعمّد إيقاع خسائر أكبر بالجنود والضباط. الهوامش ليست منحصرة، والردود واسعة الاحتمالات، لكنها كلها تؤدي إلى الحرب كما لم يشهدها لبنان من قبل، إلا إذا رست معادلة جديدة، وقواعد اشتباك جديدة، تميل أكثر إلى كفة إسرائيل".لكن ما جرى بعد المجزرة في مجدل شمس، جاء مصداقاً لهذا التحليل، مع انطلاق عاصفة من اغتيالات لكبار القادة في محور المقاومة؛ القائد العسكري في الحزب، فؤاد شكر، في قلب الضاحية الجنوبية، والقائد السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في معقل آمن من معاقل الحرس الثوري  في شمال طهران، مع اغتيال قائد كبير في كتائب حزب الله العراق، بغارة أميركية في شمال محافظة بابل، وكلام عن محاولة استهداف شخصية بارزة في دمشق، مع تلميحات وتلويحات بتصفية بقية القادة المعروفين في محور المقاومة على التوالي. وكلّ ذلك خلال أقل من 24 ساعة، فيشعر المراقب المندهش وكأن نتنياهو بتنسيق عام مع واشنطن، أراد تحقيق النصر الاستراتيجي المنشود، باستدراج الحرب الشاملة في المنطقة، في رهان مجنون على كل الأوراق المتاحة، وحتى بجرّ الولايات المتحدة أو إجبارها على التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط، كانت قد ظنت أنها قد تخلصت أخيراً من هذا العبء، عقب انسحاب معظم قواتها من العراق، والانسحاب الفوضوي من أفغانستان، عام 2021. لكن يمكن القول إنّ نتنياهو خطا الخطوة الأولى نحو الحرب، وبات على قوى المحور عبء العثور على حلول، أي على ردود باتت ضرورية لتثبيت قواعد الاشتباك السابقة، من دون التورط في حرب شاملة.

فما فعله نتنياهو لا يمكن السكوت عليه، ولا الاكتفاء بردّ رمزي ونظيف. هذه المرة مختلفة عن استهدافات إسرائيل في لبنان (اغتيال قيادات ميدانيين في الحزب)، أو سوريا (اغتيال محمد رضا زاهدي، القائد البارز في الحرس الثوري بغارة على القنصلية الإيرانية). لقد قُصفت الضاحية وسقط أرفع مسؤول عسكري في الحزب، ومعه عدد من المدنيين. واغتيل إسماعيل هنية في طهران أثناء مشاركته حفل تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان، وهو في زيارة رسمية لإيران، وفي حماية الجمهورية الإسلامية وحرسها. إنّ الاغتيالين بمثابة التحدّي العلني، وكأن نتنياهو يصرخ في الجموع: هل من مبارز؟ فإن لم يبرز أحد للردّ عليه، تلحق الهزيمة الاستراتيجية بكل قوى المحور الذي تقوده إيران. أما المرارة الموازية لعدم الردّ الجدّي ومن جنس العمل، فهو الدخول المباشر في الردّ الفعّال، وهو أسرع طريق إلى الحرب الشاملة، وكأنها حرب عالمية مصغرة، تكون فيها إسرائيل مع حلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ضدّ إيران والميليشيات الموالية لها في المنطقة، ومن خلفها عالم إسلامي متحفّز ومتشنّج، وقد ينخرط قسم منه في "الحرب المقدسة من أجل القدس"؛ إذ لن تبقى الردود المتبادلة ضمن القواعد، وبهدف الانتقام من فعل سابق، ثم الردّ على الردّ، بشكل حلزوني صاعد. فبمجرّد انضمام الولايات المتحدة وحليفاتها من الدول إلى الحرب، ستتسارع الضربات المتبادلة منذ اللحظات الأولى، لتملأ الفضاء بما يشبه حفلة أسهم نارية، لكنها ستكون حفلة جهنمية تتصادم فيها الصواريخ وتتقاذف في كل اتجاه، حتى لو استمرت لأيام فقط، كما رسم الصورة كاتب السيناريو البائس قبل أيام: ضربة موجعة ومحدودة، وتنطلق الاشتباكات الساخنة لأيام ثم يهدأ كل شيء وكأن شيئاً لم يكن. إنّ إسرائيل تحاول منذ عشرة أشهر الخروج من هزيمتها الاستراتيجية في 7 تشرين الأول 2023. وعلى الرغم من إبادة عشرات الآلاف من الغزاويين، إلا أنها تشعر بالإحباط، وهو ما يجعل نتنياهو يغامر بإشعال الحرب الشاملة في المنطقة.

ماذا يعني ذلك؟

لا يظهر أيّ مخرج واقعي بين احتمالين متعاكسين: إما الانهزام من دون قتال، ما يعني التسليم بتفوق إسرائيل، أو مواجهة التحدي بالتحدي وخوض معركة مدمرة، لا يعرف أحد مداها ولا نتائجها المباشرة، لكن آثارها البعيدة المدى واضحة المعالم حتى قبل أن تبدأ. إسرائيل تنهزم حتى لو بدا أنها تنتصر. هو منطق التاريخ والجغرافيا. وليست هي المرة الأولى.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة