الجمعه 22 تشرين الثاني 2024 - 0:09
رأى المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل أنّ هناك فرصة حقيقية في التوصل الى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل ولبنان.
كلام هرئيل جاء في مقالة له في صحيفة "هآرتس" تحت عنوان "الخلاف في الاتصالات بشأن وقف النار، وإلى أيّ حد ّ سيتدخل الأميركيون في لبنان".
ويقول هرئيل إنه مع أجواء التفاؤل الحذر في لبنان،فإن التقديرات في إسرائيل أكثر حذراً، وتتوقع استمرار الاتصالات لبعض الوقت، على الرغم من التوجه الإيجابي. ومن المحتمل أن يُتفق في المرحلة الأولى على وقف إطلاق للنار مدة 60 يوماً، يجري خلالها محاولة التوصل إلى اتفاقات مُلزمة وبعيدة الأمد.
وما تريد إسرائيل تحقيقه، فضلاً عن وقف القتال في لبنان، هو فصل الساحتين الأساسيتين للحرب، لبنان وغزة. الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، الذي اغتالته إسرائيل في نهاية أيلول/سبتمبر، تمسّك بالربط بين الساحتين، ورفض وقف إطلاق النار في لبنان، إذا لم يجرِ التوصل إلى اتفاق في غزة. خليفته الشيخ نعيم قاسم لمّح، مؤخراً، إلى إمكان التوصل إلى اتفاق منفرد مع لبنان، ولم يتراجع عن ذلك في خطابه أمس. مثل هذه الخطوة ستسمح للجيش الإسرائيلي بتقليص نشر قواته في الشمال والتركيز على إعادة الإعمار والاستعدادات الأمنية للوضع الجديد هناك، في الوقت الذي لا تزال الحرب مستمرة في الجنوب. تجد إسرائيل صعوبة في تنبؤ الخطوات المقبلة لحزب الله، في ضوء التغييرات الكثيرة التي طرأت على قيادة الحزب. جزء من كبار المسؤولين الجدد الذين حلّوا محل القادة الذين قُتلوا غير معروفين لدى الاستخبارات الإسرائيلية.
الاعتبارات الإسرائيلية واضحة، وسيتعين على الحكومة إقناع سكان الحدود الشمالية بالموافقة على العودة الآمنة إلى منازلهم. كما أن اعتبارات حزب الله مفهومة: تمّ اغتيال أغلبية القيادات السياسية والعسكرية في الحزب في الأشهر الأخيرة، وجرى القضاء على جزء كبير من قوة النيران (بين 70% و80%). وبحسب تقديرات إسرائيل، بلغت الخسائر البشرية داخل صفوفه 3000 قتيل، والحزب بحاجة إلى الهدوء. وهذا أيضاً ما يريده الجزء الأكبر من الطائفة الشيعية وأبناء الطوائف الأُخرى في لبنان. وتسببت لهم المواجهة الشيعية مع إسرائيل بكارثة.
اللاعب المهم من وراء الكواليس هو إيران. قبل مجيء هوكشتاين، وصل إلى بيروت موفد آخر هو المسؤول الإيراني علي لاريجاني، موفد المرشد الأعلى علي الخامنئي. لقد أجرت إيران حساباً واسع النطاق من خلال نظرة إلى الأمام، قبيل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.يتخوف الإيرانيون من خط أميركي أكثر تشدداً بزعامة ترامب، وهم يريدون التوصل إلى اتفاق يخفّف العقوبات المفروضة على اقتصادهم الضعيف، ويزيل تهديد هجوم عسكري عليهم، في مقابل وقف تقدّم المشروع النووي. ضمن هذا الإطار، تجري عمليات جسّ نبض من جانبهم حيال الإدارة الجديدة. وتزداد المؤشرات التي تدل على أن الإيرانيين مستعدون لِلجم حزب الله من أجل إنقاذ ما تبقى له من قوة عسكرية، ومحاولة لجم المواجهة بشأن الموضوع النووي.
الوعود والوقائع
على الرغم من التوقعات الإيجابية، فإن الصورة العسكرية لا تزال معقدة. يومياً، تتعرض إسرائيل لإطلاق نحو 100 صاروخ وعدد من المسيّرات على شمالها. وكل يومين أو ثلاثة، يُطلَق صاروخ باليستي نحو وسط إسرائيل. السيطرة البطيئة للجيش الإسرائيلي على قرى الخط الثاني في لبنان الواقعة في شمال الحدود تصطدم بمقاومة ضئيلة نسبياً من جانب حزب الله. لكن على الرغم من ذلك، فإن الحزب ينجح في تكبيد إسرائيل خسائر كل يوم.
بعد احتلال قرى الخط الأول، قبيل نهاية تشرين الأول/أكتوبر، سرّح الجيش عدداً كبيراً من قوات الاحتياطيين الذين خدموا في الجنوب اللبناني، واستخدم عدداً أقل من القوات، أغلبيتها من الجنود النظاميين، ويجري التقدم نحو الخط الثاني بصورة جزئية. لكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فستقرر الحكومة إبقاء الجيش في لبنان، وستضطر إلى اتخاذ قرار بشأن القيام بهجوم برّي آخر على الخط الثالث الذي يصل إلى نهر الليطاني. في مثل هذه الحالة، سيكون هناك حاجة إلى تجنيد واسع للاحتياطيين، الأمر الذي سيشكل عبئاً على منظومة الاحتياط، وعلى أفراد عائلات المقاتلين.
يدل القصف الشديد على لبنان على رغبة الحكومة في إنهاء القتال هناك. على الرغم من أن الجناح اليميني المتطرف في الائتلاف لا يدعو إلى البقاء الدائم في الجنوب اللبناني، ولا يتحدث عن إقامة مستوطنات في المنطقة. فهذه الأحزاب تركز على ما يجري في غزة، وتضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بهدف إقامة حُكم عسكري في أجزاء من قطاع غزة، تحضيراً لعودة المستوطنات، بعد عشرين عاماً تقريباً على قرار الانفصال عن غزة. ويلمّح نتنياهو إلى رؤساء الكتل من حزبَي "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية" بأنه منفتح على هذه الأفكار، لكنه يفضل، عملياً، انتظار توضيح موقف ترامب.
في غضون ذلك، يقوم رئيس الحكومة مجدداً بنشر توقعات متفائلة تتعلق بمصير المخطوفين. وفجأة، تحدث في خطابه في الكنيست في الأول من أمس عن الأمل بإعادة عشرات المخطوفين في وقت قريب. قبلها بيومين، أجرى نقاشاً ليلياً مع قيادة المنظومة الأمنية، وأوحت أوساط مقربة منه بأن الاتفاق مع لبنان سيسمح بنقل الضغط إلى غزة والدفع قدماً بصفقة مخطوفين. لكن مصادر مطّلعة على موضوع المخطوفين شككت في صحة هذا الكلام. وفي رأيها، أن نتنياهو يراهن على عامل الوقت، ويحاول بصورة أساسية تخفيف الضغط من عائلات المخطوفين وحركات الاحتجاج عليه، من دون التوصل إلى اتفاق يتطلب منه تقديم تنازلات تؤدي إلى خلاف مع شركائه من اليمين المتطرف.
*نقلاً عن مجلة الدراسات الفلسطينية
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط