الجمعه 7 حزيران 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
فوجئ حزب الله بمعركة طوفان الأقصى التي أدخلت المنطقة في قتال شرس غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ورفض الحزب دعوة صريحة من محمد ضيف القائد العام لكتائب عزّ الدين القسّام، للانضمام إلى المعركة التي اعتبرها القائد الفلسطيني المعركة الكبرى لتحرير فلسطين. وكان جواب أمين عام الحزب دبلوماسياً: "لم يحن الوقت لضربة قاضية، إنما هي معركة بالنقاط"، مكتفياً منذ ذلك الحين بمعركة إسناد ناري وإشغال جبهوي في شمال فلسطين المحتلة. لكن ما حاول الحزب تجنّبه في 8 تشرين الأول/أكتوبر، وعلى مدى الأشهر الثماني، يبدو أقرب للتحقّق أكثر من أيّ وقت مضى، وإن بطريقة مختلفة. فإن كانت الخطة الأصلية للحزب والتي نفّذت حماس شقّها الفلسطيني في غلاف غزة، تقضي بنقل المعركة إلى المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة، واحتجاز عدد كبير من المستوطنين، مما يمنع سلاح الجو الإسرائيلي من تكرار سيناريو الضاحية الجنوبية عام 2006، فإن مستوطنات الشمال فارغة تقريباً من السكّان. وإن دخلتها قوة الرضوان أو أيّ قوات أخرى للحزب، فستصبح أهدافاً ثابتة ومتحرّكة للطائرات والمسيّرات الإسرائيلية. والاقتحام البري وحده لن يردع إسرائيل عن قصف بيروت وضاحيتها. وإن كان السبب الرئيسي لنجاح النسخة الفلسطينية في اجتياح المستوطنات في غلاف غزة، هو المناورة والخداع والمباغتة، فإن أيّ حرب محدودة أو شاملة بين الحزب وإسرائيل، ستفتقد إلى ما حظيت به حماس في 7 تشرين الأول الماضي. وتبيّن أنّ الاستخبارات الإسرائيلية تملك داتا واسعة عن قدرات الحزب وكوادره، وبدأت عمليات التصفية بشكل منهجي، منذ اللحظة الأولى لحرب الإسناد ما سمح لها باغتيال قيادات ميدانية وتدمير مواقع خفيّة، في الأشهر الماضية. المباغتة، لم تعد متاحة على المستوى العملياتي الكبير، بسبب الاستنفار الإسرائيلي الراهن، مدعوماً بالأجهزة الأمنية الأميركية والأوروبية، على مدار الساعة.
بالمقابل، سمحت المناوشات المحدودة بين الحزب وإسرائيل، بكشف تكتيكات العدو، وقدراته التقنية الجديدة، فتعلّم الحزب دروساً ثمينة تحت النار، وأوجد لها الحلول المناسبة، فتمكّن من التقليل من خسائره، ومن إلحاق الضرر الجسيم بقوات العدو ومواقعه الثابتة على طول الحدود. كما أن للحزب إمكانيات كثيرة وتكتيكات جديدة لم يكشفها بعد، ويمكنه مفاجأة إسرائيل في الميدان، كما تفعل حماس في غزة حالياً، وعلى مستوى أوسع بكثير. لكن هذا ليس المشكلة. المعضلة التي تؤرّق الطرفين، هي أنّ الحرب لو وقعت، فلن تكون محدودة، أو لن تستطيع أن تبقى كذلك، وهذا ما يؤكده تقرير أكسيوس الأميركي، الذي أفاد أمس بأن إدارة بايدن حذّرت حكومة نتنياهو من أنّ أيّ حرب محدودة مع لبنان ستُفضي حتماً إلى تدخل إيران واذرعها في المنطقة. حتى لو كانت نيّة نتنياهو خوض معركة برية وجوية خاطفة لإبعاد الحزب مسافة 10 كيلومترات أو أكثر عن الحدود، إلا أنّ الصراع سينتقل دفعة واحدة من التدرّج الحالي إلى الانفجار الكبير الذي لا سقف له. وستنضمّ فيه أسلحة لم تدخل بعد ساحة القتال، وستُستهدف مراكز ومواقع في لبنان وإسرائيل لم تكن متوقّعة، أو كان الظنّ بأنّ التهديدات السابقة باستهدافها من قبيل التهويل فقط. نتنياهو متشوّق لتكرار سيناريو الدمار الشامل في لبنان أيضاً. لكن الحسابات العسكرية ليست مشجّعة.
ماذا يعني ذلك؟
أولاً، مع أنّ بايدن يعارض توسيع نطاق الحرب مع لبنان خشية تحوّلها إلى حرب إقليمية تُدخل المنطقة برمّتها إلى منطق الصراع المسلّح بدلاً من استكمال مسار التطبيع، إلا أنّ انتقال الجهد العسكري الإسرائيلي إلى الشمال، يخدم في المدى الواسع، إدارة بايدن والحزب الديمقراطي الأميركي، وذلك عندما تُزاح بؤرة الاهتمام العالمي عن الأزمة الإنسانية في غزة، إلى صراع مختلف في موازينه في لبنان، فينحسر الضغط الداخلي ضدّ إدارة بايدن، وهو الذي يهمّ بايدن المرشّح الرئاسي بالدرجة الأولى. لكن بالمقابل، ثمّة خوف من انزلاق الأمور، وهو مرجّح جداً.
ثاتياً، الاجتياح الإسرائيلي البري المحدود، على غرار اجتياح 1978 مثلاً، أو أقلّ منه، سهل التنفيذ في البدء، لكنه يتحوّل إلى فخ لاحقاً، وهذا ما حدث في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، بل حدث مثله في قطاع غزة في الأشهر الثماني السابقة. أما الاكتفاء بالضربات الجوية على مدى أيام، كما كان يحدث سابقاً، فلن يحقّق الأهداف المطلوبة؛ بل إنّ القصف سيُجاب عليه بقصف موازٍ. وكما جاء في تقرير أكسيوس، الحرب الموسّعة تهدّد أمن إسرائيل واستقرار المنطقة، بمعنى إلحاق الأذى الكبير بقوة الردع الإسرائيلية، وتعريض دول المنطقة إلى الاضطرابات بسبب توسيع الحرب.
ثالثاً، سيكون لفتح معركة موسعة ضدّ لبنان، آثار استراتيجية ضارّة بإسرائيل، إذ ستجد نفسها تقاتل على ثلاث جبهات معاً: غزة، والضفة الغربية، وجنوب لبنان. غزّة سترتاح إنسانياً بنسبة كبيرة. والمقاتلون الفلسطينيون سيكونون في استراحة طويلة نسبياً، إن لم ينضموا سريعاً إلى المعركة، لاستنزاف العدو من مكانين متوازيين. فتتحقّق رؤية محمد ضيف في مآل الصراع، ونوعه، وتوقيته.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط