السبت 26 تشرين الأول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
الحرب الإسرائيلية الشرسة على لبنان ليست كأيّ حرب سابقة، من حيث درجة التدمير المنهجي والتهجير المتعمد. لكنها عموماً تبدو وكأنها تستنسخ الحروب السابقة مع محاولة تجنب المزالق التي وقعت فيها إسرائيل من قبل.
في اجتياح عام ١٩٧٨، والذي أُطلق عليه إعلامياً اسم "عملية الليطاني"، احتلّ الجيش الإسرائيلي جنوب نهر الليطاني أو معظمه. وكان الهدف إبعاد قوات منظمة التحرير الفلسطينية عن الحدود. صدر القرار الدولي رقم ٤٢٥، وانسحبت القوات الإسرائيلية، لكنها سلمت الشريط الحدودي لقوات سعد حداد. وكان الشريط بمنزلة منطقة عازلة بعمق ١٠ كيلومترات تقريباً.
وفي اجتياح عام ١٩٨٢، والذي حمل اسم" سلامة الجليل"، انطلقت القوات الإسرائيلية بحشود مدرعة أضخم بخمسة أضعاف من القوات التي غزت جنوب لبنان عام ١٩٧٨. وفيما كان الهدف المعلن في البداية إبعاد القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية مسافة ٤٠ كيلومتراً لحماية المستوطنات من الصواريخ، تحولت تدريجياً إلى محاولة تأسيس حكم موالٍ لها في لبنان، عن طريق فرض انتخاب رئيس جمهورية، يتولى تغيير البيئة السياسية في لبنان، لتكون صديقة لإسرائيل، وعقد معاهدة سلام معها، بعد تدمير البنية العسكرية لمنظمة التحرير وإخراجها من لبنان. كانت هذه المغامرة العسكرية الأكبر لإسرائيل، والتي انتهت بانسحاب قواتها تدريجياً إلى الشريط الحدودي عام ١٩٨٥، بعدما كانت وصلت إلى بيروت وحاصرتها واحتلتها لأيام. لكن النتائج السياسية تلاشت، باغتيال الرئيس بشير الجميل، في ١٤ أيلول عام ١٩٨٢، ثم إلغاء اتفاقية ١٧ أيار ١٩٨٣، مع إسرائيل، بعد الانتفاضة المسلحة في الجبل والضاحية وبيروت، وذلك عام ١٩٨٤. واستمرت عمليات المقاومة في الجنوب إلى أن قررت إسرائيل الانسحاب من الجنوب عام ٢٠٠٠.
وفي ١٢ تموز عام ٢٠٠٦، انفجرت حرب جديدة، بسبب قيام حزب الله بعملية عبر الحدود ضد دورية إسرائيلية، بهدف أسر جنود ومبادلتهم بأسرى لبنانيين. أطلقت إسرائيل حملة عسكرية ضد لبنان، تميزت هذه المرة بغموض الأهداف، من استرجاع الجندين الأسيرين، فإلى التقدم إلى نهر الليطاني، وتدمير حزب الله. حاول الإسرائيليون آنذاك الانتصار بالقوة الجوية وحدها، فجرى استهداف البنية التحتية في لبنان، فضلاً عن تدمير منهجي للضاحية الجنوبية. استمرت الحرب ٣٤ يوماً، وانتهت بفشل الغزو البري الذي جاء دون معلومات استخبارية كافية، ومن دون استعدادات كافية.
الآن في هذه الحرب، يحاول الإسرائيليون وقد درسوا كلّ تجاربهم السابقة، تجنب العثرات، يدمجون بين الحرب الجوية الفعالة، والغزو البري المحدود في عمق ١٠ كيلومترات، مع الامتناع عن الاجتياح البري الواسع، والتركيز على تكرار أسلوب التدمير المنهجي لمعاقل الحزب، وهي القرى الأمامية في الجنوب خاصة، والضاحية الجنوبية، مع إلحاق الدمار الواسع في قرى وبلدات في العمق، لا سيما جنوب الليطاني والبقاع؛ أي التوسع فيما يسمى "عقيدة الضاحية"، مع تجنب التماس القتالي قدر الإمكان. لكن الميزة الأساسية لهذه الحرب، هي التهجير لأكثر من مليون شخص معظمهم من الشيعة، بهدف الضغط على بيئة الحزب ودفعه إلى الاستسلام، وفرض منطقة عازلة على الحدود خالية من السلاح ومن السكان، وصولاً إلى تطوير الأهداف نحو تدمير الحزب وتجريده من السلاح، وتكوين حكم موالٍ لإسرائيل، أو متعاون مع الأهداف الإسرائيلية، ولا يكون هذا إلا بانتخاب رئيس جمهورية ينفذ البرنامج المطلوب منه. أي عدنا بعد ٤٢ سنة إلى سيناريو ١٩٨٢.
لكن الظروف السياسية مختلفة، ولا يمكن هندسة الحياة السياسية بسهولة بسبب وجود الرئيس نبيه بري على رأس السلطة التشريعية، وهو حليف الحزب. كما أنّ موازين القوى في البرلمان لا تسمح بانتخاب رئيس على الهيئة التي يريدها الإسرائيليون وحلفاؤهم. لذا، شهدت الوقائع في الأيام الأخيرة، توجيه الضغوط على المناطق التي فيها نفوذ لحركة أمل، من خلال الغارات التي ضربت مناطق الجناح والأوزاعي في أطراف الضاحية، وأحياء في مدينة صور، مع التلويح الإسرائيلي بأن الرئيس بري على لائحة الأهداف.
ماذا يعني ذلك؟
ثمة سيناريوهات تتداولها أوساط سياسية معنيّة بالتطورات، تقضي بما يلي لتسهيل التغيير السياسي بالقوة:
أولاً، استهداف نواب من الثنائي الشيعي ومن الحزب خاصة، بقصد تغيير موازين القوى في البرلمان، مع العلم أنه لا توجد أغلبية واضحة لأيّ تحالف سياسي، سواء للحزب وحلفائه أو لخصومه، مع وجود كتلة نواب التغيير (١٢ نائباً) المنقسمة على نفسها وفق حسابات سياسية مختلفة، وكتلة الاعتدال، والنواب المفصولين من التيار الوطني الحر. وتحمل هذه الموازين حساسية خاصة بالنظر إلى نصاب الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس والجلسات اللاحقة والتي يصرّ الرئيس بري على توافر الثلثين في كل الجلسات. فيما جلسة تعديل الدستور تتطلب إجراءات أكثر تعقيداَ. أما اللجوء إلى انتخابات نيابية مبكرة فيحتاج إلى وقف الحرب تماماً ووقت كافٍ لإجراء الانتخابات أي الصيف المقبل في أحسن الاحتمالات مع أنّ التهجير والتدمير الواسعين في مناطق واسعة لا يسهلان أبداً هذا الخيار.
ثانياً، محاولة استهداف رئيس البرلمان شخصياً، ليس للمجيء بشخص متعاون مع المشروع، إذ إنّ موازين القوى تعرقل أيّ تغيير حقيقي. بل قد يكون الهدف هو إحداث الفراغ الدستوري الكامل في لبنان، بالشغور الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال، وأخيراً بإخراج السلطة التشريعية من المعادلة. وهو سيناريو الانقلاب الإسرائيلي في أقصى احتمالاته.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط