
الأربعاء 24 تموز 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
مع نزول بهاء الحريري الابن الأكبر للرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلى الساحة السياسية، بنفسه ومن دون وسائط، اختلطت الرؤية عند كثير ممن يُعرفون بالناشطين السياسيين أو الفعاليات السياسية، أو الطامحين للعب أيّ دور مهما كان، في الشأن العام. فمن كان يراهن على عودة الرئيس السابق سعد الحريري، ويتصيّد أخباره من الذاهبين إليه والعائدين من مكان إقامته، كان في الوقت نفسه، يرنو إلى تحرّكات وزير الاتصالات السابق محمد شقير، الذي شمّر عن ساعديه في الأشهر الفائتة، لإطلاق تيار سياسي، وتوزيع المساعدات، وعينه على السراي الحكومي. وبعض هذه الفعاليات السياسية نفسها، لا تتخلّف في الوقت نفسه عن حضور اللقاء الدوري في بيت البحر لصاحبه النائب فؤاد مخزومي، فهي لا تريد إغفال أيّ فرصة تلوح في الأفق، كمن يشتري عدداً كبيراً من أوراق اليانصيب، لعلّ واحدة منها تُصيب، كما كانت تردّد الأغنية الخاصة، للعبة الحظ هذه.
لعبة الاحتمالات
إنّ دخول بهاء الحريري على خطّ المنافسة، زاد من تعقيد لعبة الاحتمالات. فإذا كان سهلاً نسبياً التنقّل بين الأجواء المحيطة والقريبة من سعد الحريري ومحمد شقير وفؤاد مخزومي، وربما غيرهم كذلك، والانتماء في الوقت نفسه إلى مجموعات واتسابية موالية لكلٍّ واحد من المذكورين، من دون كثير عناء، باعتبار أن لا عداء علنياً بين الشخصيات السياسية، ولا حرج كذلك، إلا أنّ مشكلة جدّية تبرز في صراع الشقيقين، بهاء وسعد، فلا يمكن اختيار الاثنين معاً، حضور اللقاءات مع بهاء، وإعلان الولاء المطلق لسعد زعيم السُنّة، تحت ذريعة أنه لا فرق بين الاثنين، فكلاهما ابنا الشهيد، وكلاهما من آل الحريري. صحيح أنّ بعض المنضوين في مجموعات محسوبة على شخصية سياسية معيّنة، يفيقون فجأة فيعلنون ولاءهم للحريرية، وهم في مجموعة غير حريرية، ويبدأ النقاش الساخن بين أعضاء في تلك المجموعة، ومحور الخلاف هو الموقف من سعد الحريري. لكن الأكثر ظرافة، أنّ بعض الناقدين لنهج الحريرية، خلال السنوات الفائتة، وكان يتابع معارضي سعد الحريري ويلتصق بهم، ويسوّق لهم، ينقلب فجأة مدافعاً عن نهج رفيق الحريري، وهو يقصد التماهي مع بهاء الوافد الجديد إلى السياسة، أو هو مستعد لتلاوة فعل الندامة، إن عاد سعد الحريري فجأة، معافىً وقوياً ومليئاً، فمع حضور الماء يبطل التيمّم. وسعد هو الماء الزُّلال، وغيره بدل من ضائع، لا أكثر ولا أقل...تمرير الوقت إلى أن يعود "غودو"، البطل المغوار!
التقاط الفرص
ومن أجل تقريب الصورة، بلغت الانتهازية ببعض تلك الفعاليات في الشارع السنّي، الناشط منهم سياسياً تحديداً، دون سائر المكوّنات، أنّ باتت متخصّصة في التقاط الفرص وتشمّم رائحتها. فليس مستغرباً أن ينضمّ حريريون إلى ماكينية انتخابية مختلفة في توجّهها السياسي، بل إنّ هذا من التكتيكات المعروفة. والهدف هو تعطيل هذه الماكينة وإنهاكها. لكن حضور اللقاءات الجماهيرية لمختلف السياسيين، ليس من قبيل المجاملة أو المداهنة وحسب، بل أن تكون الغاية ضمان القُرب من هذا الشخص أو ذاك، وتسجيل الحضور في مجالسه، وتعمّد السكوت البنّاء في حضرته، وعدم المشاركة إطلاقاً في النقاش الدائر، كأن على رأسه الطير، ليس لأنه عاجز عن الكلام، بل تجنّباً التورّط في مواقف يندم عليها لاحقاً، لعلّ وعسى أن يصل إلى مكان متقدّم، بصمت وصبر، ومن دون أيّ التزام أيديولوجي مسبق. هي أشبه بفرقة متخصّصة بزفاف العروس. يصفّقون لكل عرس، ويشاركون أحياناً في الزفّة والرقص. هم مستعدون لتأجير مواهبهم، ومستعدون دائماً لقبض الثمن مهما كان..الداخل إلى الجيب مفقود، والخارج منه مولود. هي ظاهرة سلبية بكل معنى الكلمة..كانت بيروت خاصة معروفة بنفورها من الأحزاب، لكن أبناءها من جهة أخرى، كانوا ملتزمين أدبياً وأخلاقياً وسياسياً بزعيم واحد، يؤيدونه وينتخبون لائحته. لكن أن تعمل مع أكثر من سياسي في الوقت نفسه، فهذا مؤشر على الخواء السياسي المخيف.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط