الثلاثاء 24 أيلول 2024 - 0:01
خاص (أيوب)
عقب حرب تموز 2006، والتي تسميها إسرائيل "حرب لبنان الثانية"، شكّلت لجنة برئاسة القاضي الإسرائيلي المتقاعد إلياهو فينوغراد، للتحقيق في إخفاقات الحرب. وأبرز نتائجها أنّ حكومة إيهود أولمرت، راهنت على التفوق الجوي والضربات الدقيقة، لإحداث انهيار معنوي في قوات حزب الله. وأهملت القوات البرية، كما كان تدفق المعلومات الاستخبارية غير كافٍ. فلما لجأت أخيراً إلى الهجوم البري، فشلت فشلاً ذريعاً، عندما وقعت القوات المهاجمة في فخ الأسلحة الفتاكة المضادة للدروع. ومنذ ذلك الوقت، وإسرائيل تعمل على تدارك الأخطاء، وهو ما بدا منذ أسبوع وحتى مجزرة الأمس، في عاصفة القصف المتواصل والذي لم يترك منطقة تقريباً دون استهدافها، من التي تضمّ مراكز أو مخازن أو ارتكازات، فضلاً عن الاختراقات الأمنية غير المسبوقة لأمن كبار القادة في الحزب، وتدريب القوات البرية في حرب غزةـ لأشهر طويلة. ومجموع هذه العوامل، من المفترض أن يتسبّب بما فشلت فيه إسرائيل قبل 18 سنة، أي إحداث الانهيار الشامل في سلسلة التحكم والسيطرة، وانفضاض البيئة الشعبية عن القيادة من دون التدمير الشامل للتجمعات السكنية الكبرى لا سيما في الضاحية، وتمهيد تضاريس المنطقة العازلة جنوب نهر الليطاني، كي تتمكن إسرائيل من تنفيذ هجوم بري محدود من دون عوائق ولا خسائر كبيرة.
الإفادة من دروس الحرب
لقد تعلّمت إسرائيل جيداً من الدروس المؤلمة لحرب 2006، وعملت منذ ذلك الوقت على التجهيز والتحضير للحرب التالية مع حزب الله. لكن المفاجأة جاءت من غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. احترمت إسرائيل عدوها في الشمال، فاستعدّت له جيداً، بدليل الاختراقات الأمنية الواسعة التي أوقعت الحزب في حيرة وقلق. واستخفّت بعدوها في الجنوب، فلم تعبأ بالمعلومات الاستخبارية المفصّلة عن أمر يُدبّر ليلاً في القطاع. انتظروا الخطر الداهم من الشمال، فأتاهم الهجوم الكاسح بغتة من الجنوب. فاجأ يحيى السنوار، السجين السابق لدى إسرائيل، الحلفاء قبل الأعداء، بـ طوفان الأقصى، وجرّ الجميع إلى ملعبه، ومنذ ذلك الوقت، وحزب الله يجرجر نفسه، في قتال طويل ومنخفض الوتيرة؛ لم يستعدّ له، ولم يرغب فيه. فلا الدولة جاهزة ولا البيئة الشعبية مستعدّة. ثم إنّ هجوم حماس على إسرائيل، وفّر تعاطفاً غربياً واسع النطاق، حتى إنّ أميركا أرسلت حاملات الطائرات على عجل، حتى لا تؤخذ إسرائيل من جهة الشمال، وهي في حالة فقدان التوازن النفسي. حاول زعيم حزب الله، بعد أسابيع قليلة من الطوفان، إعادة الأمور إلى نصابها السابق، وإلى قواعد الاشتباك السابقة، باعتبار التجارب السابقة، وهي عدم خوض إسرائيل حروباً طويلة؛ إذ اعتادت على استراتيجية الحرب الخاطفة التي تعلّمتها من التجربة الألمانية النازية في الحرب العالمية الثانية، وأنّ إسرائيل لن تخاطر بمصير أسراها في القطاع، وهو أكبر عدد على الإطلاق (250 بين مدنيين وعسكريين)، وهي التي كانت حريصة دائماً على فكاك أسراها بأثمان باهظة، وأنها ستكتفي بضربات جوية عنيفة لأيام، مع تشديد الحصار قبل بدء التفاوض على تبادل الأسرى، كما كانت تفعل في كلّ جولة. لذلك كان ردّ نصر الله على دعوة القائد العسكري لحماس محمد الضيف، للانضمام إلى الحرب، بأنّ الوقت لم يحن بعد للمعركة الحاسمة، وإنما هي معركة بالنقاط. لكن الوقت على استدراك الوضع كان قد فات. بنيامين نتنياهو، كسر كلّ القواعد والعوائد. فلا حدود للحرب، لا في الوقت ولا في المدى، ولا قدسية للأسرى الإسرائيليين حتى لا يكونوا عائقاً استراتيجياً. الأنكى من ذلك، أنّ نتنياهو، رآها فرصة لتغيير الشرق الأوسط، عبر التخلّص من كلّ الأعداء، إيران ووكلائها.
الأمر الجديد في خضمّ هذه العاصفة، فشل عملية اغتيال قائد الجبهة الجنوبية في الحزب علي كركي، في قصف جوي بعيد المدى، ضرب مبنى في حي ماضي في قلب الضاحية. وهذا الفشل الأول من نوعه، يبدو أنه اختبار متحكّم فيه وخديعة من الحزب، لكشف الاختراق الإسرائيلي. فمن دون حماية أمن العمليات لا يمكن أن يصمد الحزب طويلاً أمام العاصفة الهوجاء.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط