
الثلاثاء 11 حزيران 2024 - 0:04
خاص (أيوب)
هو محمد دياب إبراهيم المصري (مواليد 1965)، المعروف باسم محمد الضيف. يقال إنّ لقب ضيف، نسبة إلى تشرّد عائلته بعد نكبة عام 1948، وتنقّلها من بيت إلى آخر، ويقال أيضاً إنه لقب شخصي له بالنظر إلى أنه مطارَد من سنوات طويلة، ويتنقّل ضيفاً من بيت إلى آخر. بدأ حياته العامة من كونه احد روّاد المساجد في غزة، وداعية من ضمن الحركة الإسلامية الإخوانية قبل تأسيس حركة حماس عام 1987، والانضمام إلى القتال ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. سجنته إسرائيل وكذلك السلطة الفلسطينية. ومنذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وإلى طوفان الأقصى، هو المطلوب رأسه من الأجهزة الإسرائيلية، ونجا من أكثر من سبع محاولات لاغتياله قد لا يكون آخرها عام 2021، حين أعلن الجيش الإسرائيلي في تصريحات له صباح الأربعاء 19 أيار من ذلك العام، فشله مرتين في محاولة اغتياله، خلال العملية العسكرية في قطاع غزة. حاول الإسرائيليون ذلك من زوايا متعدّدة وبأسلحة متنوّعة من الجو عبر مهاجمة موقع تحت الأرض حيث كان الوجود المحتمل للضيف، لكنهم لم ينجحوا. وأكثرها إيلاماً عام 2014 عندما فقد أسرته بعملية أخرى لاغتياله.
يشكّل محمد ضيف الآن بوصفه القائد العام لكتائب عزّ الدين القسام مع مسؤول الحركة يحيى السنوار، الثنائي الأساسي لحركة حماس في القطاع، المسؤوليْن تحديداً عن عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، إحدى أخطر عمليات المقاومة الفلسطينية على الإطلاق منذ أكثر من 76 سنة. وهما المطلوب اغتيالهما إسرائيلياً، بل إنّ صورة النصر الإسرائيلي في غزة لا تتشكل أو تكتمل من دون اغتيالهما أو أحدهما. وهو مصنّف على لائحة الإرهاب الأميركية، ومطلوبٌ اعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية مع زميليه إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، ويحيى السنوار.
لماذا الحديث عنه الآن؟
مناسبة ذكر محمد الضيف الآن، ما جرى من عملية إسرائيلية بالغة التعقيد في مخيم النصيرات يوم السبت الماضي، وباستعمال كافة صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية، وبدعم أميركي وربما أكثر، استخباري ولوجيستي، وربما شيء آخر، وترافق ذلك مع عملية تضليل واسعة النطاق ميدانياً وسياسياً وإغاثياً، استمرّت أسابيع. وكان نتيجتها الظاهرة تحرير أربع أسرى إسرائيليين، من مبنيين متقاربين في المخيم، واستشهاد مئات الفلسطينيين وجرح أمثالهم. لكن اللافت أنّ اسم محمد الضيف ورد في وسائل التواصل أثناء العملية وبعدها. حتى شاع أنها كانت محاولة اغتيال، ربما تكون المرة الثامنة أو أكثر. حركة حماس نفت الاغتيال وكذلك إسرائيل. وأكدت حماس بالمقابل أنّ إسرائيل حرّرت أربع أسرى لكنها قتلت آخرين ومنهم أميركي. وهو ما يثير الاستفهام عن حقيقة أهداف العملية، التي لم تكن فريدة في نجاحها الخارق بحسب ما تحاول حكومة نتنياهو ترويجه، بل كانت تهوّراً كادت أن يتحوّل إلى كارثة كبيرة، بمقتل الأسرى بدل تحريرهم، وبثمن إنساني هائل لا يمكن تبريره مهما كان الهدف المعلن. فهل كان الهدف الحقيقي اغتيال محمد الضيف تحت غطاء تحرير الأسرى؟
أولاً، كان من المفترض أن تعلن حركة حماس موقفها من المقترح الإسرائيلي لتبادل الأسرى وبدء هدنة إنسانية تمتدّ في المرحلة الأولى لمدة 42 يوماً، في اليوم نفسه للعملية المجنونة، وكان ثمّة ضغوط أميركية كبيرة على قيادة الحركة كي تقبل، وضغوط مماثلة على الدول العربية كي تضغط بدورها على حماس. فهل من المعقول أن تخاطر إسرائيل والولايات المتحدة بحياة أسرى إسرائيليين وقد يكون من بينهم من يحمل الجنسية الأميركية، في اللحظة التي يرتفع فيها الأمل بإمكان إطلاق سراحهم بشكل آمن ومضمون، في صفقة التبادل ولا سيما وأنّ المخاطر الأمنية كما السياسية كانت عالية جداً، كما ظهر من ملابسات العملية وتفاصيلها المعلنة؟
ثانياً، خلال تنفيذ العملية في مخيم النصيرات تشابكت الأسلحة المستخدمة وتكثفت غزارة النيران التي أطلقتها القوات الإسرائيلية، حول المكان خلال تحرير الأسرى، ثم على المكان نفسه بمن فيه من سكّان، قد يكون من بينهم أسرى إسرائيليون آخرون، وهل كانوا متأكدين من خلو المكان المستهدف من أسرى آخرين؟ كلّ هذه الظروف تشير إلى أمر آخر، شبيه بمحاولة اغتيال محمد الضيف عام 2021، الذي كان يُظنّ آنذاك أنه في نفق عميق، في حين أنهم هذه المرة شكّوا بوجوده فوق الأرض وإلى جانب الأسرى الإسرائيليين. فكان القصف العنيف غير المتناسب مع عملية دقيقة لتحرير الأسرى، دليلاً على إرادة التأكد من قتل من تريد إسرائيل قتله بأيّ ثمن.
ماذا يعني ذلك؟
إن صحّ أنّ المقصود من عملية مخيم النصيرات قتل القائد العسكري لحماس، فإن ذلك يبرّر تلك المخاطرة الكبيرة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة بمشاركة إسرائيل، وقبل أسابيع من خطاب بايدن المتعلّق بمقترح التبادل، في التجسس والتنصت والاستعلام والتخطيط والدعم اللوجيستي وربما الميداني، بل إساءة استعمال المرفأ العائم لأهداف عسكرية بعكس التطمينات التي أرسلها الأميركيون إلى حماس من أنّ هذا المرفأ إغاثي بطبيعته. والثمن المقبول لهذه المخاطرة، هو تحقيق صورة النصر التي يريدها نتنياهو كي يكتفي بما حقّق في هذه الحرب، وينصاع لرغبة بايدن في وضع نهاية لها قبل الانتخابات الرئاسية.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط