
الثلاثاء 1 تشرين الأول 2024 - 0:09
على مدى السنوات الماضية طرأت عدة تحولات على شكل الانخراط الميداني لـ"حزب الله" في سوريا حتى وصل مؤخراً في أعقاب مقتل القيادي الإيراني الكبير في "الحرس الثوري"، قاسم سليماني إلى نقطة إدارة الميليشيات على الأرض وبحكم التموضع كـ"صلة وصل".
وفي ظلّ ما يتعرض له الحزب الآن بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله وقادة الصف الأول، تثار تساؤلات عن مآلات ذلك على طبيعة حضوره في سوريا وآلية نشاطه المرتبط على نحوٍ محدد بعدة ميليشيات تنتشر في مناطق متفرقة من البلاد، وتحت راية "الحرس الثوري" الإيراني.
ويعود تاريخ انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا إلى العام الثاني من انطلاقة الثورة السورية (2012). وفي ذلك الوقت زجّ بهم "الحرس الثوري"، وفق تقارير استخباراتية وغربية من أجل منع نظام الرئيس بشار الأسد من السقوط.
وبينما تولت الميليشيات مهامّ عسكرية وأمنية إلى جانب قوات النظام السوري، سرعان ما تحولت إلى مرحلة التموضع والتمترس في مناطق مختلفة من البلاد بالتزامن مع ترجيح كفّة الميدان لصالح الأسد على حساب المعارضة.
وأبرز المناطق التي تنتشر فيها ميليشيات إيران الآن هي: محافظة دير الزور، ومدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية- العراقية، بالإضافة إلى ريف محافظة حلب، ومناطق أخرى في شمال البلاد وجنوبها، وهو ما سلطت الضوء عليه سابقا عدة تقارير منها لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان".
ويوضح مدير شبكة "دير الزور 24"، عمر أبو ليلى لموقع "الحرة" أنّ "حزب الله" كان يتولى في سوريا قبل الحملة الإسرائيلية القائمة ضده الآن إدارة الميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري" على الأرض.
ويقول إنّ تلك الإدارة ارتبطت بهرمية من 3 درجات وبالترتيب من الأعلى إلى الأسفل: "حرس ثوري".. "حزب الله".. ميليشيات على الأرض.
ويضيف أبو ليلى أنّ "الضربات التي يتلقاها حزب الله الآن وحالة الضعف التي يعيشها قد تدفع الحرس الثوري للزجّ بثقل أكبر لإدارة ودعم الميليشيات على الأرض".
ويرى أنّ "الحرس الثوري ما يزال الآمر والناهي في شرق سوريا ومناطق أخرى من البلاد بغضّ النظر عن الدور الذي أنيط بحزب الله بعد مقتل قاسم سليماني".
"قبل وبعد قاسم سليماني"
ودائماً ما كانت طبيعة عمل الميليشيات في سوريا والعراق ترتبط قبل مقتل قاسم سليماني بهذا الرجل الذي كان يقود "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني. وما يؤكد على ذلك طبيعة تحركاته وزياراته السرية التي وثقتها صور وتسجيلات مصورة كثيرة. لكن وبعد مقتله، تغيّرت المعادلة المتعلقة بنشاط وإدارة تلك الميليشيات، حسبما يشير الباحث في مركز "الشرق للدراسات"، سعد الشارع.
ومن المتوقع بحسب حديث الباحث السوري أن "يتأثر عمل وأداء الميليشيات في سوريا الآن"، وفي حين أنّ إيران ستحتاج مزيداً من الوقت لتتدارك النقص، يستبعد الشارع أن يكون التأثير كبيراً إلى حدّ انهيار المشروع الإيراني كاملاً.
ويرى فيليب سميث، الباحث في جامعة ماريلاند والمتابع لنشاطات وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط أنّ القيادة والسيطرة على الميليشيات الإيرانية في سوريا "كانت تتمّ بشكل أساسي من خلال حزب الله".
ويضيف سميث في حديثه لموقع "الحرة" أنه وفي ظل الواقع الحالي الذي يعيشه الحزب اللبناني "يمكن للعديد من الوحدات العراقية والخاضعة لسيطرة الحرس الثوري بشكل مباشر أن تقوم بأمورها الخاصة".
وتقتصر أدوار الميليشيات الآن على القتال ضدّ الجماعات المتمردة والجماعات الكردية السورية، والتمسك بالمناطق الاستراتيجية التي تريد إيران الهيمنة عليها، لتحدي الموقف الأمريكي/ الغربي بشكل أساسي داخل سوريا.
هل يخرج "حزب الله" من المعادلة؟
وكثيراً ما استهدفت إسرائيل مواقع لميليشيات تابعة لطهران في سوريا ولو أنها لم تعترف بذلك رسمياً كما تستهدف القوات الأميركية من فترة لأخرى مواقع لتنظيمات مسلحة تابعة لـ"الحرس الثوري"، إثر هجمات تتعرض لها قواتها على الأرض.
وتعتقد الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي أنّ "الجغرافيا السورية بدون شك بدأت تتأثر بالحرب الدائرة حالياً في لبنان، وسيشمل هذا التأثير مستويات عديدة بشكل مرتبط بعامل الزمن".
وفيما يتعلق بـ"حزب الله" توضح أنّ دوره في سوريا تحوّل خلال الأعوام الماضية من حماية مطار دمشق الدولي إلى حماية العاصمة، ومن ثَمّ قيادة عملية إنهاء سيطرة المعارضة السورية المسلحة على الأحياء الشرقية من حلب.
كما يمتلك "حزب الله" نقاط مراقبة في شرق سوريا يشرف فيها على نقل شحنات الأسلحة القادمة من إيران إلى لبنان عبر الأراضي السورية. وله أيضاً نقاط انتشار وتمركز أوسع في ريف حمص الغربي، تمتد من القصير إلى القلمون.
وتتابع كولوريوتي أنه وبعد السابع من أكتوبر بدأ "حزب الله" بسحب بعض مستشاريه ومقاتليه من سوريا، وخاصة من ريف حلب وحمص. ومع تلقيه ضربات قاسية في سلم القيادة انتقلت قيادات مهمة فيه كانت تدير ملف سوريا إلى لبنان لتولي مناصب عسكرية، ومنهم علي موسى دقدوق، المسؤول عما يسمى ملف الجولان في "حزب الله"، وفق الباحثة.
وترجح كولوريوتي الآن أن يضطر "حزب الله" إلى سحب كلّ مقاتليه من سوريا. وقد تطلب الجماعة نقل مقاتلين من الميليشيات السورية التابعة لـ"فيلق القدس" إلى جنوب لبنان على وجه الخصوص إذا بدأ التوغل البري الإسرائيلي هناك.
وترى أنّ هذه التطورات ستؤثر بشكل مباشر في القدرات العسكرية لنظام الأسد، وتقلل من أيّ احتمال لبدء أيّ عمل عسكري، سواء في شمال سوريا أو في محافظتي درعا والسويداء، حيث يتفاقم الوضع الأمني مع مرور الوقت.
"يربك التموضع لا ينهيه"
لا توجد مؤشرات دقيقة حتى الآن بشأن المسار الزمني المرتبط بالحملة الإسرائيلية القائمة ضد "حزب الله"، وتوسعت يوم الأحد لتضرب مواقع للحوثيين في اليمن.
وبخصوص سوريا هدد مسؤولون إسرائيليون خلال الأيام الماضية أكثر من مرة بضرب طرق إمداد يستخدمها "حزب الله" لتمرير الأسلحة القادمة من إيران.
ويعتقد الباحث السوري سعد الشارع أنّ "ما حصل وسيحصل سوف يؤثر في تموضع حزب الله والميليشيات في سوريا.. لكن هذا لا يدفعنا باتجاه أنّ الوضع سيتغير بشكل كامل، وأنّ الحضور الإيراني بات في نهايته الأخيرة".
ويوضح الباحث أنّ الحضور الإيراني في سوريا "مدعوم بعدد كبير من الميليشيات وبتموضع عسكري كبير واقتصادي واجتماعي وديني وسياسي".
وعلى أساس ما سبق "يمكن القول إنّ ما يجري يربك التموضع دون أن ينهيه"، على حدّ تعبير الشارع، دون أن يستبعد الباحث تغيّر المعادلة بناء على "شكل إدارة إسرائيل لعملياتها في سوريا ولبنان".
"تلميحات بشأن تغيير الواقع"
وعلى المستوى الإسرائيلي، بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي خلال الأيام الماضية بضرب معابر الأسلحة والتهريب التي يديرها "حزب الله" داخل الأراضي السورية واللبنانية.
ومن المرجح بحسب رؤية الباحثة كولوريوتي أن تستمر هذه الضربات، وتتوسع لتشمل مواقع الحزب المدعوم من إيران في ريف حمص الغربي والقلمون.
علاوة على ذلك، ومع استنزاف احتياطيات "حزب الله" من الصواريخ والذخيرة من خلال ضربات الجوية على مستودعات استراتيجية في جنوب لبنان ووادي البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، فإن هذا يعني أنّ إيران ستزيد من شحنات الأسلحة إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وفق الباحثة.
وتشير إلى أنّ سوريا هي المنفذ الوحيد لـ"حزب الله" في ظلّ الحظر الجوي والبحري من قبل الجيش الإسرائيلي.
وليس "حزب الله" الوحيد في سوريا الذي ينشط تحت راية إيران، بل هناك ميليشيات أخرى جزء منها عراقية، كـ"سيد الشهداء" و"كتائب حزب الله"، وجماعات أخرى أجنبية مثل "زينبيون" و"فاطميون".
وتعتقد كولوريوتي أنّ خروج "حزب الله" من المعادلة السورية لن يغير الكثير في الترتيب السياسي الدولي والإقليمي الحالي.فشرق سوريا تحت سيطرة الميليشيات العراقية وميليشيا "فاطميون" الأفغانية، بينما تسيطر الميليشيات السورية وجيش نظام الأسد على ريف حلب وإدلب واللاذقية.
ومع ذلك "قد يتغير الواقع إذا ما تبنت القيادة الإيرانية استراتيجية جديدة للتعامل مع الحرب في لبنان، من خلال إعطاء الأوامر للميليشيات التابعة لها في سوريا بتنفيذ هجمات عبر جنوب سوريا باتجاه الجولان وشمال إسرائيل دعما لحزب الله".
وتتابع الباحثة أنّ "هذه الخطوة من شأنها أن تضع مقرات وقيادات هذه الميليشيات ضمن دائرة الاستهداف الإسرائيلي".
كما تشير إلى أنه ومن خلال متابعتها للإعلام الإسرائيلي والصحافيين المقربين من حكومة بنيامين نتنياهو، توجد تلميحات تتكرر بين الحين والآخر بأن الوجود الإيراني في سوريا يشكل تهديدا لإسرائيل، "وبالتالي يجب تغيير هذا الواقع".
*نقلاً عن الحرة
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط