السبت 28 حزيران 2025 - 0:19
كتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شابات مقالة في معهد "مسغاف" للأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية مقالة تحت عنوان "التحدي في طهران وبيروت وغزة: كيف نمنع العدو من ترميم قدراته" جاء فيها:
إن السؤال العلني لعضو الكنيست موشيه غفني (حزب يهدوت هتوراه): لماذا نستمر في القتال في قطاع غزة ونُعرّض جنودنا للخطر، يمكن أن يجد جواباً عنه في الوثيقة التي نُشرت قبل أيام فقط، والتي كشفت عن الخطة الأصلية الكاملة لحركة "حماس" في هجوم السابع من أكتوبر، الذي كان يهدف إلى تمهيد الطريق للقضاء على إسرائيل، بحسب رأي الحركة.
لقد قُتل أبطالنا الذين سقطوا ضحايا، خلال عمليات تهدف إلى نزع ما تبقى من قدرات "حماس"، على الرغم من القتال المستمر وإيجاد ظروف تمنع، أو على الأقل، تُصعّب عليها إعادة بناء قوتها، وفي الوقت عينه، تهدف هذه العمليات أيضاً إلى ممارسة ضغط من أجل المساعدة على استعادة الرهائن.
إن نهاية حرب الأيام الـ12 في إيران والمأساة المتمثلة في مقتل سبعة من مقاتلي الهندسة في خان يونس، حوّلتا بسرعة الأضواء العامة نحو ساحة غزة. فالفجوة بين الحسم السريع الذي تحقّق ضد "رأس الأخطبوط"، وبين التباطؤ في الحسم ضد "ذراعه" في القطاع، زادت في الحزن على الثمن المدفوع، وفي الإحباط الناتج من الغموض وعدم اليقين.
إن التقارير بشأن استئناف الاتصالات، بهدف الوساطة من أجل التوصل إلى "صفقة"، والحديث عن تحرُّك سياسي واسع يُفترض أن يشمل أيضاً تسوية لقضية قطاع غزة، التي تُعد حالياً عقبة أمام التقدم، أمور زادت في التوتر والتأهب.
لكن في النقاش العام الجاري، يكاد لا يُعطى أيّ وزن لأحد العوامل المركزية التي يجب أن يأخذها صانع القرار السياسي في الحسبان: وضع العدو.
كانت الضربة التي تلقّتها "حماس" من إسرائيل قوية، لكنها ليست قاتلة، أو غير قابلة للانعكاس. يبدو كأن قدرتها على تشكيل تهديد فوري وخطِر على إسرائيل - من خلال إطلاق الصواريخ، أو هجوم برّي على غرار 7 أكتوبر- سُلبت منها. لقد خسرت عدداً كبيراً من عناصرها، ومن وسائلها القتالية وقدرتها الإنتاجية، لكن لا يمكن أن نستخلص من ذلك أنها غير قادرة على التعافي.
لا تزال "حماس" القوة الرئيسية في غزة. فمقاتلوها وقياداتها يتحركون عبر الأنفاق، ويستخدمون أسلوب حرب العصابات، وينتظرون الفرصة للظهور مجدداً فوق الأرض بأمان. وتعمل قيادتها في الخارج من دون عوائق، وتواصل إدارة النشاط السياسي والإعلامي للتنظيم، وجمع الموارد له، والاستعداد - هي أيضاً - لليوم التالي للحرب.
إن القدرات المتبقية في يد "حماس"، من سيطرتها على جزء من المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، والدعم الشعبي الواسع الذي تحظى به داخل غزة، عوامل كلها تتيح لها إعادة بناء قدراتها، وخصوصاً إذا ما تحققت مطالبها، كجزء من الاتفاق على إنهاء القتال.
هذا الأسبوع، نُقل عن أحد كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي في وسائل الإعلام، قوله إذا توقفت إسرائيل عن القتال الآن، وسحبت قواتها، فستتمكن "حماس" من إعادة السيطرة على السكان خلال شهر، ومن إعادة بناء نفسها عسكرياً خلال سنة. من الصعب إصدار حُكم قاطع في هذا الشأن، إذ لا توجد معادلات دقيقة للتنبؤ، فالعوامل المؤثرة كثيرة، ولا يمكن التنبؤ بها. ومع ذلك، إذا تضمّن هذا التقدير تلميحاً إلى طريقة تفكير الجيش الإسرائيلي إزاء "حماس"، فإن وضع التنظيم ليس صعباً، كما يبدو في الخطاب العام.
يعتقد البعض في هذه المرحلة الزمنية أن الجهد العسكري استُنفد، وأن تحقيق الأهداف يجب أن يتم عبر حلّ سياسي. وفقاً لهذا النهج، إن نقل السيطرة المدنية إلى جهات غير إسرائيلية، لا تنتمي إلى "حماس" بل ربما تعارضها، سيمنع الحركة من التعافي. لكن هذا التوجه يتجاهل ميزان القوى داخل القطاع، والذي يميل بوضوح إلى مصلحة "حماس، يتجاهل الدروس المستفادة من طرق عمل التنظيم، حسبما ذُكر. من المرجح أن يوفر الإطار الحاكم لـ"حماس" غطاءً، أو يحمي جهودها لإعادة البناء، ووجود هذا الإطار سيقيّد إسرائيل أكثر مما يساعدها.
إن الأهداف التي حددتها الحكومة للحرب في غزة لم تتحقق بعد. لا يجب الاستنتاج من ذلك أنها غير صحيحة، أو غير قابلة للتحقيق. ومن الصواب أولاً فحص أسلوب التنفيذ وتطبيقه على الأرض. ولا يقلّ أهمية عن ذلك، ضرورة توحيد التوقعات مع الجمهور من أجل كسب دعمه. إن تصريح عضو الكنيست غفني، مهما كان مستفزاً، يُشير إلى حاجة حقيقية إلى تذكير الناس بسبب القتال، والشرح لهم لماذا لا تقدّم البدائل حلاً فعّالاً.
الحرب من أجل حرية العمل الجوي
أولاً، بعد الحرب، لم تعد إيران تشكل تهديداً وجودياً مباشراً لإسرائيل، سواء من خلال السلاح النووي، أو الصواريخ الباليستية.
الآن، التحدي أمام إسرائيل هو الحفاظ على هذا الإنجاز وضمان استمراره. ومن أجل تحقيق ذلك، يمكن العمل من خلال أحد مسارَين:
- مسار دبلوماسي دولي: اتفاق يمنع إيران من العودة إلى هذه القدرات، يشمل رقابة صارمة وآلية تنفيذ فعّالة. هذا هو المسار الذي يسعى له الرئيس ترامب، وكذلك أوروبا، بهدف التوصل إلى تسوية طويلة الأمد.
- مسار التسوية القسرية: منع إيران بالقوة من إعادة بناء هذه القدرات (مثلما يحدث في لبنان وسورية)، استناداً إلى معلومات استخباراتية. لهذا الغرض، يجب الحفاظ على حرية العمل الجوي والدعم الأميركي/الدولي لاستخدام القوة.
من الصعب التنبؤ بإمكان نجاح المسار الدبلوماسي، إذ سبق أن أظهرت إيران قدرتها على كسب الوقت وخداع محاوريها. علاوةً على ذلك، فإن النظام الإيراني لديه سجلّ حافل بانتهاك الاتفاقيات، مدعوم بشرعية دينية - فقهية، وبدوافع قوية إلى الانتقام واستعادة "الكرامة المفقودة". ومن المرجح أنه لن يتخلى عن طموحاته، بل سيزيد في مستوى الخداع والسرية، مستفيداً من دروس الحرب.
يجب أن يكون موقف إسرائيل صارماً: تنفيذ فعّال من دون اتفاق، أفضل من اتفاق من دون تنفيذ، وأن حرية الحركة الجوية لإسرائيل في المجال الإيراني هي العنصر الرئيسي الذي يتيح ذلك. يجب أن نفترض أن الحرب على هذا الصعيد بدأت فعلاً.
لقد أوجدنا شروخاً.. فلننتظر الانهيار
لم تضع إسرائيل إسقاط النظام الإيراني هدفاً للعملية. يمكن تفهُّم الأسباب الكامنة وراء ذلك. ومع ذلك، من الواضح للجميع في إسرائيل، وعلى الساحة الدولية، أن الطريقة الوحيدة لضمان إزالة التهديد الاستراتيجي الإيراني (نووي، أو صواريخ) هي تغيير النظام.
بعد الضربة الخارجية التي وُجهت إليه، الآن، هناك أمل بأن تستمد قوى المعارضة داخل إيران زخمها، وتزيد في احتجاجاتها.
من الصعب التنبؤ بنقطة الانهيار الدقيقة للأنظمة. رأينا ذلك من خلال سلسلة سقوط الأنظمة فيما عُرف بـ"الربيع العربي"، وكذلك مؤخراً، في الانهيار السريع للنظام السوري، عقب هجوم مفاجئ وقصير من قوى المعارضة. وفقط بعد ذلك، اتضح تأثير الهزيمة التي أنزلتها إسرائيل بحزب الله في لبنان، وسيرورة تفكُّك النظام منذ سنة 2011.
تعلّمنا من هذه الحالات مدى صعوبة تحديد نقطة الانهيار، لكن الأهم، إدراك التأثير التراكمي للضربات المتتالية، وخصوصاً في دولة منقسمة ومليئة بالتحديات.
لقد تعلّم الحكام في طهران هذه الدروس أيضاً، وهم يستعدون لذلك. بالنسبة إليهم، إنها مسألة بقاء.
يجب أن نأمل ونعمل من أجل ألّا تقوم الولايات المتحدة والغرب، خلال سعيهما لتوقيع اتفاقيات مع إيران، بإعطاء النظام موارد وإنجازات يستطيع من خلالها تحسين مكانته.
غيّرت نتائج الحرب مع إيران ميزان القوى في الشرق الأوسط، وستؤثر أيضاً في تشكيل النظام العالمي. فالضربة التي تلقّتها إيران تستكمل عملية تفكيك "محور الشر". إيران - التي سعت للهيمنة الإقليمية، وبثّت الرعب في المنطقة - تنسحب الآن إلى الصفوف الخلفية. والآن، سيتمكن العديد من الدول من العمل من دون ظلها المُخيف، وبناء شراكات سياسية وأمنية واقتصادية وتكنولوجية، الأمر الذي سيحقق الازدهار لدول المنطقة، وخارجها أيضاً.
*نقلاً عن مجلة الدراسات الفلسطينية
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط



