دولي وعربي


غزة تساند لبنان

السبت 20 تموز 2024 - 0:01

خاص (أيوب)

رسمياً، تتولّى الميليشيات الموالية لإيران، في العراق واليمن ولبنان، مهمة إسناد المقاومة الفلسطينية. لكن عملياً، أضحى مستنقع غزة، طوق النجاة للبنان من حرب مدمرة أخرى. الحزب يقاتل في الجنوب تحت عنوان نصرة غزة وإسناد المقاومة فيها. لكن المعطيات لها وجهة معاكسة، فبعد تسعة أشهر من الصراع الوجودي مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، والإبادة المنهجية والعشوائية في الوقت نفسه، تحت ذريعة استهداف قادة حماس، وقواعدها المستترة بين المستشفيات والمساجد والجامعات، إلى درجة جرف المقابر وشبكة الصرف الصحي، وإمدادات المياه، وطمر الآبار، لا مبالغة في القول إنّ صمود مقاتلي غزة، يؤخر الحرب الإسرائيلية على لبنان.

فبعد طوفان الأقصى مباشرة، أي بعد السابع من تشرين الأول الماضي، علت الأصوات في إسرائيل تطالب بشنّ الحرب على الحزب في لبنان كأولوية على الحرب الانتقامية في غزة. ثم مع ذيوع ملخص تقرير إسرائيلي شارك فيه أكثر من 100 خبير عسكري مطلع العام الجاري، وكان صدر قبل طوفان الأقصى، طالب العضو السابق في حكومة الحرب بني غانتس بالهجوم البري على لبنان في آذار الماضي. التقرير المذكور يرسم صورة قاتمة عن أيّ حرب ممكنة بين إسرائيل والحزب القادر على إطلاق آلاف الصواريخ يومياً، وعلى تعطيل سلاح الجو من خلال قصف مدارج المطارات العسكرية،  وعلى تهديد المواقع الحيوية في إسرائيل من مصانع وبنى تحتية. والمفارقة أن أكثر المتحمّسين لخيار الحرب على لبنان، هم المعارضون بشدة اليوم لكيفية إدارة نتنياهو للمعركة. وهؤلاء هم جنرالات سابقون في الجيش والأمن، ويدركون مصاعب القتال في منطقة مكتظة بالسكان كقطاع غزة، وأنه لا إمكانية لانتصار واضح، بل لمجزرة رهيبة في الهواء الطلق، في حين أنّ الخطر الحقيقي على إسرائيل، يكمن في القدرة الصاروخية التي يمتلكها الحزب في لبنان، وتغطي كل مساحة إسرائيل، وكل مواقعها الحساسة. فبعد الذي حدث في غلاف غزة، استرعى انتباه هؤلاء أنّ الخطر في الشمال، أضعاف مضاعفة، ولا بدّ من ضربة استباقية.

لكن ما منع الحرب على لبنان آنذاك، أمران: تردّد نتنياهو، ورفض واشنطن التورط في حرب إقليمية مع إيران وميليشياتها في المنطقة. وكلما طال الوقت، وتراكمت الخسائر الإسرائيلية، تراجعت أسهم الحرب. وضُربت مواعيد محتملة للهجوم البري المترافق مع حرب جوية شرسة، في 15 حزيران، ثم 15 تموز، والآن يقولون 15 آب، في حين أنّ نتنياهو وعد الإسرائيليين بعام دراسي عادي يبدأ في الأول من أيلول المقبل!

إنّ غزة تساند لبنان، أكثر من كون الحزب يساند غزة. فالتدمير شامل لكل شيء في القطاع، إضافة إلى القتال الضاري الذي لم يسبق له مثيل ولا نظير في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بين المقاومين الحفاة في كثير من الأحيان والجنود الإسرائيليين المدجّجين بالسلاح وكافة المستلزمات مع الفرق الإسرائيلية المدرعة وسواها من تشكيلات مختلفة من مرتزقة متعدّدي الجنسية، والمشاة، والقوات الخاصة، وفرق الهندسة، وهذه الأخيرة، هي الأخطر نسبياً، لأن مهمتها توسيع الممرات بين الخرائب المدمرة، عبر إزالة الأنقاض، وتدمير المجمعات السكنية، بحثاً عن شبكة الأنفاق، ثم تدمير الأنفاق التي يكتشفها الجنود الإسرائيليون. وهي مهمة طويلة ومؤلمة ومكلفة. والمعركة ذات طابع استنزافي ومنهك، لكلّ من الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن الخسائر الهائلة بين المدنيين الفلسطينيين، وكأنهما طرفان مسلّحان، مصمّمان على قضاء أحدهما على الآخر، وهما يتقاتلان على ساحة معركة مكتظّة بالسكّان، والناس يفرّون من مكان إلى آخر، دون أيّ بارقة أمل بوقف المجزرة. مدنياً، هي كارثة غير مسبوقة لسكّان القطاع. عسكرياً، هي ساحة مثالية لخوض معركة استنزاف وإنهاك لا مثيل لها، وقد لا تتكرّر الفرصة في وقت قريب، لقتال قريب ومتقارب إلى هذا الحدّ.

بعدما خسروا كلّ شيء تقريباً، يندفع المقاومون الفلسطينيون في مواجهة من دون قيود ولا حدود، وهو ما أوقع بالجيش الإسرائيلي خسائر غير مسبوقة، وآثارها منتشرة في كلّ مكان، لا سيما في مدينة غزة، ومخيمات الوسط، والجنوب (خان يونس ورفح)، حيث ترك الإسرائيليون في الآونة الأخيرة، عدداً متزايداً من دباباتهم ومدرعاتهم مدمّرة ومحترقة، وبعضها من دون أضرار جسيمة، مما يدلّ على صعوبة لوجيستية وهندسية متفاقمة.

النتائج حتى الساعة، استهلاك عدد كبير من القنابل الثقيلة، التي كان من المقدّر إلقاء الكثير منها على الأماكن المحصّنة في لبنان، بل لتدمير الأبراج في بيروت وضاحيتها الجنوبية كما فعلوا في غزة. وهم هدّدوا لبنان في بداية الحرب، بمصير كمصير غزة. أُنهك الجنود الاحتياط في معركة غزة. كثير منهم لا يريد العودة إلى القطاع، فضلاً عن المشاركة في الحرب على لبنان، وفي مواجهة حزب الله. أعداد الجنود لا تكفي لحرب شاملة في لبنان، وعدد الدبابات والمدرعات في تناقص مستمر، بسبب ما تتعرّض له يومياَ في أزقة غزة، بل في ساحاتها المستحدثة، بعد جرف العمران.

وبحسب تقرير في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية صدر قبل أيام، أكد نتنياهو أن جيشه جاهز للانقضاض على لبنان، ووزير الدفاع يوآف غالانت هدّد بإرجاع لبنان إلى العصر الحجري، لكن الواقع أنّ الجيش الإسرائيلي مستنزف، وكذلك أسلحته وذخائره. وهم يخشون من مستنقع آخر يدوم لأشهر طويلة، في حين أنّ جذوة المقاومة في غزة لم تنطفئ.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة