
الأحد 9 حزيران 2024 - 0:12
خاص (أيوب)
ليس مصادفة أن تقوم وحدات إسرائيلية خاصة مؤلّفة من الشابك (الأمن الداخلي) واليمام (وحدة مكافحة الإرهاب) بعملية تحرير 4 أسرى داخل مخيم النصيرات، في اليوم المقرّر لاستقالة عضو حكومة الحرب بيني غانتس اعتراضاً على امتناع نتنياهو عن تحديد إجراءات اليوم التالي في قطاع غزة، وكذلك، في اليوم المنتظر فيه أن تُبدي حركة حماس موقفها النهائي من صفقة تبادل الأسرى، وبدء هدنة إنسانية في المرحلة الأولى، تمهيداً لمفاوضات المرحلة التالية، في خضمّ الضغوط المتواصلة التي تمارسها إدارة بايدن وبكل الوسائل المتاحة، السياسية والدبلوماسية على المقاومة الفلسطينية ككلّ، لإبرام الصفقة، ووقف إطلاق النار. وذلك كله، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتبادل الضربات القضائية بين بايدن وترامب. ففي مقابل فتح الملفات القضائية بكثافة ضدّ الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشّح الجمهوري، ومنها، تهم تزوير سجلّات تجارية، برزت إلى الواجهة محاكمة نجل بايدن، هانتر، بتهمة شراء مسدس، وهو يتعاطى الكوكايين.
ما الذي جرى؟
بحسب المعلومات التي أفصح عنها الإسرائيليون، فإن العملية التي أُطلق عليها اسم "بذور الصيف"، وجرى تغيير اسمها إلى عملية "أرنون"، تكريماً لأرنون زامورا كبير مفتشي وحدة اليمام التي شاركت في العملية، ولقي حتفه فيها، جرت في وضح النهار، وإنّ القوات الإسرائيلية تبادلت إطلاق النار مع مقاتلي حماس الذين كانوا يحتجزون الأسرى في موقعين مختلفين، قبل نقل الأسرى إلى مروحيتين تحت وابل من إطلاق النار وقذائف الآر بي جي وصواريخ سام المضادة للطائرات باتجاه الطوافتين. وكادت العملية أن تفشل، وتعطّلت السيارة التي كانت تقلّ الأسرى، لولا تدخّل كل الأسلحة الإسرائيلية براً وجواً وبحراً لتأمين الفرار من أرض المعركة.
وتكشف الجريدة الإسرائيلية الإلكترونية "تايمز أوف إسرائيل" أنه خلال التخطيط للعملية قبل أسابيع، جرى الحصول على معلومات استخباراتية عن مواقع الأسرى ودراستها بعناية. وفي خضمّ الحرب، قامت حماس مراراً وتكراراً بنقل الرهائن حول غزة، في محاولة منها لمنع عمليات الإنقاذ الإسرائيلية. وفي الأيام التي سبقت عملية الإنقاذ، قامت وحدة مكافحة الإرهاب "يمام" التابعة للشرطة برسم نماذج مختلفة لسيناريو إخراج الاسرى من النصيرات وسط غزة، والتي قال مسؤولون عسكريون إنها "تشبه غارة عنتيبي" في أوغندا عام 1976، عندما أنقذت قوات الكوماندوز الإسرائيلية أكثر من 100 إسرائيلي. وفي الأيام التي سبقت العملية أيضاً، أطلق الجيش عملية عسكرية جديدة في شرق البريج – إلى الشرق من النصيرات – وفي شرق دير البلح – إلى الجنوب الشرقي من المكان الذي جرى فيه تحرير الأسرى – في خدعة واضحة لتقليل دفاعات حماس في النصيرات.
الأسئلة المطروحة
بإزاء العملية المباغتة التي نجح فيها نتنياهو بتخريب مسار سياسي ضاغط عليه، من الداخل والخارج، وبالنظر إلى الأهمية التكتيكية للعملية في مخيم النصيرات، والتي لن تبدّل المأزق الاستراتيجي الإسرائيلي المستمرّ من ثمانية أشهر، تُطرح الأسئلة التالية:
- هل كان خطاب بايدن الشهير يوم الجمعة 31 أيار الماضي، عندما استعرض خطة إسرائيلية للاتفاق على تبادل الأسرى مع حماس والفصائل، نوعاً من الخداع المقصود، لبثّ آمال فلسطينية كاذبة، لا سيما وأنّ بايدن بدا مائلاً إلى القول بأنه من غير الممكن القضاء على حماس أو تحقيق النصر الكامل عليها، وكأنه يمارس الضغط على نتنياهو، في حين أنه دعا للضغط على حماس، فكان التناقض سيد الموقف ، أم وقع بايدن في الفخ الذي نصبه له نتنياهو ليتولّى بنفسه تضليل حماس؟
- هل كان التصعيد الإسرائيلي الكلامي المفاجئ، بشأن حرب إسرائيلية قريبة على لبنان، لإبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود، مع سحب قوات إسرائيلية من رفح، واستدعاء خمسين ألف من الاحتياط في إسرائيل، وتأييد بيني غانتس المعارض أصلاً لنتنياهو، لشنّ حرب على الجنوب اللبناني، نوعاً من المناورة والخداع، لا سيما وأنّ غانتس نفسه كان يعلم منذ الخميس الماضي بموعد العملية في النصيرات، وتعمّد تأخير الإعلان عن تأجيل مؤتمره الصحافي بشأن الانسحاب من حكومة الحرب، حتى لا ترتاب الحركة؟
ماذا يعني ذلك؟
أولاً، أصيبت جهود التهدئة بضربة قوية مع سقوط أكثر من 200 شهيد فلسطيني في النصيرات، في وقت كان ممكناً إخراج الأسرى أنفسهم في عملية التبادل المنتظرة ومن دون سفك الدماء، ودون هذا الاستعراض الهوليوودي في أزقة المخيم، وبدعم أميركي صريح إلا إن كان المطلوب هو الضغط على حماس لقبول الاتفاق دون إبطاء، مع أنها كانت مغامرة بالغة الخطورة.
ثانياً، هذه العملية ستدفع حركة حماس إلى اتخاذ إجراءات احترازية مختلفة، ولن تكون أيّ عملية مماثلة سهلة التنفيذ عقب انكشاف تفاصيل العملية، ومعرفة ثغراتها، حتى اقترب المقاتلون من إفشال العملية وإيقاع المهاجمين في مقتلة جديدة، شبيهة بما حدث في مخيم جباليا.
ثالثاً، سيكون أيّ تهديد آخر بالهجوم على لبنان، أو التفاوض في غزة، محلّ شكّ كبير، بعد كلّ الخداع الذي مورس في الأسابيع المنصرمة.
أخيراً، تبدو بصمة نتنياهو واضحة في عملية الإنقاذ، التي تشابه عملية عنتيبي التي سقط فيها قتيلاً جوناثان شقيق نتنياهو، وسُميت العملية على اسمه بعد نجاحها.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط