دولي وعربي


تقاطع إيراني إسرائيلي على تقسيم سوريا

الجمعه 7 آذار 2025 - 0:11

خاص (أيوب)

فيما انتظرها السوريون من الجنوب مع تحريض إسرائيل المتواصل لقيادات درزية معينة في السويداء وجرمانا على مقاطعة الإدارة السورية الجديدة، والانفصال عن سوريا، والدعوة علناً إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات على الاقل، ومنع السُنة من حكم سوريا موحدة، وكان التربّص سيّد الموقف شرق الفرات، مع تعثر المفاوضات مع قوات "قسد" التي باتت تتلمّس الدعم الإسرائيلي، في مواجهة دمشق، وذلك مع استعداد القوات الأميركية لإخلاء قواعدها في سوريا، تحرّكت فلول النظام السابق في الساحل، في هجمات منسقة على مراكز الأمن وعلى دوريات الأمن العام والجيش الجديد، وقطع الطرق بين المدن الرئيسية في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وهي خطة عسكرية متكاملة الأركان للسيطرة تماماً على منطقة الساحل، من خلال الانطلاق عبر محاورها المختلفة، وطبقاً لأوامر غرفة عمليات نظامية. وليس الهدف هو استنزاف النظام الجديد عسكرياً وأمنياً وسياسياً، بهدف إضعافه وإسقاطه، في مدى الأشهر القادمة، كما كان متوقعاً، بل ظهر الهدف واضحاً من حجم التنسيق بين مكونات في الداخل، وإيران وميليشياتها في الخارج، وهو قلب الأوضاع رأساً على عقب، دفعة واحدة، قبل أن يستقر الأمر للرئيس الانتقالي أحمد الشرع. لكن بغضّ النظر عن قدرة التمرد العلوي المدعوم علناً من إيران، على تغيير الحكم أو الاستقلال بالساحل، مع تشجيع الأكراد والدروز على الأمر نفسه، لا بد من طرح الملاحظات التالية:

أولاً، علي خامنئي الحاكم الفعلي لإيران، ومنذ سقوط بشار الأسد، في 8 كانون الأول الماضي، وهو يبشّر بظهور مقاومة ما أسماهم "الشباب المسلم" ضد النظام الجديد، متهماً الفصائل الإسلامية وقوات ردع العدوان بالعمالة لإسرائيل والولايات المتحدة. وقبيل التحرك الأخير لفلول النظام في الساحل، أعلن مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي أن سوريا على وشك الغرق في حرب أهلية في أي لحظة، وذلك بالترافق مع الإعلان عن تأسيس "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا"، وتداولت وسائل إعلامية إيرانية بيان التأسيس. ومما جاء فيه أن هذهالمبادرة تأتي استجابة للتطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا حالياً، وأنها تهدف إلى "جمع الصفوف في وجه المخاطر المحدقة بالبلاد". وقال القائد العام للتنظيم الجديد (البيان لم يكشف اسمه): "نشأنا كاستجابة مشروعة لمخططات تفتيت سوريا وتهجير أبنائها التي تتعرض لها منذ سنوات". وأن الجبهة "تطمح لأن تكون إطاراً جامعاً للسوريين بمختلف انتماءاتهم ومعتقداتهم، وهدفها الأساسي صون أمن البلاد وسلامة أراضيها". وبحسب البيان، فإن التشكيل الجديد "ظهر نتيجة الفراغ السياسي والاجتماعي الذي خلفه غياب المؤسسات التي كانت تتولى إدارة شؤون البلاد سابقاً". ودعا السوريين إلى "الالتفاف حول المشروع الجديد لاستعادة عزة الوطن وتحريره من قوى الإرهاب والاحتلال"، مؤكداً على "ضرورة توحيد الجهود لمواجهة ما وصفه بقوى الباطل". وإذا كان البيان حقيقياً وصادراً عن تنظيم حقيقي، علماً أنه يستنسخ شعاراً له، عن الشعار المعروف لحزب الله، ويستورد لقب "أولو البأس" من شعار المعركة التي خاضها الحزب أخيراً بمواجهة الهجوم الإسرائيلي "أولي البأس"، فإنه يُستشف منه استغلال الاحتلال الإسرائيلي لمناطق الجولان، والتوغل في الجنوب السوري، لتشكيل مقاومة مسلحة، تضمّ أطياف المجتمع وطوائفه لا سيما أهل السنة، لأنه لا أمل بأي تمرد طائفي علوي بعد عقود من القهر والاستعباد للأكثرية السنية.

 ثانياً، يترافق التحرّك العسكري في الساحل، ويتناغم تماماً مع الجهود الإسرائيلية المكثفة، عسكرياً وأمنياً، في الجنوب والشرق، ودبلوماسياً وسياسياً في عواصم القرار لا سيما واشنطن لزعزعة السلطة في دمشق، وحرمان سوريا من المساعدات الاقتصادية والمالية الملحة، للنهوض من ظلام العصر الإيراني البائس الذي غرقت فيه البلاد إبان عهد الرئيس الفارّ بشار الأسد والأسرة المتحكمة، كما التحريض ضد قيام أي حكم سني، باعتبار أن الحكام الجدد هم إسلاميون متطرفون. وهذا دليل جليّ على رضا إسرائيل عن الحكم الطائفي في سوريا في عهد الأسدين، وعن تدخل إيران وميليشياتها، ثم روسيا، لإجهاض الثورة ومنع السُنة من حكم سوريا، مهما يكن انتماؤهم. وهذا التقاطع التاريخي اللافت بين إيران وإسرائيل في سوريا الآن، يهدف إلى ترميم الأهداف المشتركة بين البلدين، بعدما تضررت بشكل هائل بسبب "طوفان الأقصى". فعملية حماس المفاجئة قلبت كل التفاهمات والمعادلات والتوازنات في بلاد الشام، وباعدت بين إسرائيل وإيران التي تورطت في الهجوم الصاروخي مرتين ضد إسرائيل، وكادت تتحضر لهجوم صاروخي ثالث، حين سقط نظام الأسد فجأة، فانشغلت القيادة الإيرانية بمُصابها الأكبر في سوريا. فسقوط سوريا يوشك أن يُطلق تدافع أحجار الدومينو نحو إيران نفسها. تحرير سوريا من الميليشيات الإيرانية، ينقل الخطر إلى العراق الذي تتحكم به ميليشيات إيرانية الهوى. وإذا ما تزعزع الحكم الطائفي في العراق، تصبح إيران في "العراء الاستراتيجي"، في وقت تتزايد مخاطر هجوم إسرائيلي أميركي شامل على المراكز الحيوية في إيران، منعاً إياها من تصنيع قنبلة نووية أو أكثر، بعدما تعرضت فيه الأذرع الإيرانية في المنطقة إلى خسائر فادحة لا يمكن تعويضها بسهولة. 

ثالثاً، لكن هذا التحرك غير الناضج، والذي لم تتوافر فيه كافة العوامل المطلوبة لنجاحه في فصل الساحل كهدف أول، ستكون له تداعيات خطيرة، تصبّ في نهاية المطاف في المصلحة المشتركة الإيرانية الإسرائيلية. فقد بذل الرئيس أحمد الشرع جهوداً هائلة لضبط أهالي الضحايا من أهل السنة خلال الحرب، من الانفلات في حملة انتقام عشوائية ضد العلويين في الساحل، كما ضد كثير من الشبيحة السنة وبقية الطوائف، رفقاً بهم من العواقب السياسية الوخيمة، وحرصاً على بناء دولة موحدة تتجاوز المحن والابتلاءات، ومنعاً من تقسيم سوريا بدعم دولي تحت عنوان "حماية الأقليات". وعليه، فإن لم تنجح الخطة الانقلابية في الساحل، إلا أن الخوف من انقلاب الأكثرية الغاضبة والقلقة على الأقليات الجامحة بتحريض من إيران وإسرائيل.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة