الثلاثاء 3 أيلول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
علم "أيوب" أنّ جهات إقليمية حليفة حذّرت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، من مخاطر أمنية محتملة للحملة الدولية الواسعة النطاق، لتطعيم أطفال غزّة من الشلل، وهي التي استجابت لها إسرائيل فسهّلت العملية، من خلال وقف إطلاق النار مؤقتاً في القطاع لمدة سبعة أيام، على ثلاثة مراحل. وذكّرت تلك الجهات، بأن حملة تطعيم مماثلة لكن مزيفة، هي التي مكّنت القوات الأميركية من التثبّت من مكان إقامة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في أبوت آباد، بباكستان، قبل 13 عاماً. فكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر لقوات البحرية الخاصة الأميركية (SEAL) كي تنقض على المجمّع الذي كان يقطن فيه بن لادن وأسرته، وقتله مع عدد من معاونيه.
وكانت منظمة الصحة العالمية، قد كشفت في تموز الماضي عن وجود خطر كبير لتفشّي فيروس شلل الأطفال في غزّة ومحيطها، بسبب تعطّل برامج التطعيم الاعتيادية وتدهور نظام الصرف الصحي. وفي هذا المجال، رُصد الفيروس في عيّنات من الصرف الصحي في القطاع. وكانت البداية بإصابة طفل عمره عشرة أشهر بشلل جزئي، وهذه أوّل حالة موثّقة للإصابة بشلل الأطفال في غزّة من ربع قرن. وقال المسؤولون في المنظمة الدولية، إنّ عدم التحرّك بسرعة لاحتواء الفيروس، يمكن أن يتسبّب بانتشاره في المنطقة، وعلى نطاق دولي أيضاً. ثم حذّرت المنظمة منتصف الشهر الماضي، من أنه بسبب الظروف الصحية في قطاع غزّة، ثمّة حاجة ملحّة لإعطاء لقاح شلل الأطفال الفموي من النوع 2، للأطفال الذين هم دون سنّ العاشرة من عمرهم. ولتنفيذ حملة التطعيم، لا بدّ من هدنة إنسانية مؤقتة تمتدّ سبعة أيام لتلقيح 640 ألف طفل غزّاوي. وبالفعل، وافقت إسرائيل على هدن إنسانية، تستمرّ كلّ منها ثلاثة أيام، في وسط القطاع وجنوبه وشماله، وشدّد نتنياهو على أنّ هذه الهدن الإنسانية ليست وقفاً لإطلاق النار. من جهته، أعلن مدير الرعاية الصحية الأوّلية في وزارة الصحة بقطاع غزّة، عن بدء حملة التلقيح ضدّ شلل الأطفال وسط القطاع، وقالت الجهات الإسرائيلية إنّ اللقاحات ستُعطى يومياً ابتداء من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية ظهراً من الأحد إلى الثلاثاء، قبل الانتقال إلى جنوب القطاع لثلاثة أيام، ثم إلى شماله كذلك. وخلال هذه الفترة المحدّدة إسرائيلية يومياً، يتوقّف القتال. وقد تُمدّد تلك الهدن، نظراً إلى الطرق المدمّرة والنزوح السكاني الهائل. ويقول مسؤولو الأمم المتحدة إنّ الأطفال سيحتاجون إلى جرعة ثانية من اللقاح أواخر شهر أيلول الجاري، لتغطية نسبة 95% من القطاع، وهي النسبة اللازمة لوقف انتقال الفيروس داخل غزّة.
لكن ما علاقة تلقيح الأطفال في غزّة بجهود البحث إسرائيلياً عن يحيى السنوار؟ لا بدّ من تذكّر ما فعلته الاستخبارات الأميركية في باكستان للعثور على أسامة بن لادن، حين استعملت طبيباً محلياً، للتجوال على المنازل في منطقة أبوت آباد، وتلقيح الأطفال ضدّ مرض الكبد الوبائي، ابتداء من المناطق الأكثر فقراً حتى تبدو الحملة وكأنها رسمية وحقيقية. وبحسب صحيفة التلغراف البريطانية، فإن وكالة "السي آي إيه" جنّدت عام 2011 طبيباً باكستانياً يُدعى شكيل أفريدي، لإعداد برنامج تطعيم مزيّف، بهدف جمع عيّنات الحمض النووي من الأطفال في مجمّع سكني كان يُظنّ أنّ بن لادن يقطنه مع أسرته، على بُعد 50 كليومتراً فقط من العاصمة الباكستانية إسلام أباد. فإذا أظهر الحمض النووي، أنّ الأطفال قيد التلقيح هم لبن لادن، يجري حينئذ تحديد موقعه. وهذا ما كان على الأرجح.
أما تكرار ذلك في غزّة فيكون وفق الاعتبارات التالية:
أولاً، إنّ الهدف الأساسي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، هو تفكيك الجهاز الحكومي والعسكري لحركة حماس، من أجل التحكّم تماماً بمصير السكّان، ونزع سلاح المقاومة، وكشف الخلايا، وتدمير الأنفاق، وتهجير من يمكن تهجيره. وما دام السنوار على قيد الحياة، ومعه القدرة على التحكّم والسيطرة على مجموعات حماس، وعلى بقية السكان، فلن يستطيع نتنياهو تحقيق هدفه. وتؤيده الولايات المتحدة في هدفه هذا، على الرغم من مطالبتها بوقف الحرب وتبادل الأسرى. من أجل ذلك، صُرفت جهود وموارد هائلة للقضاء على قيادة حماس وأجهزتها المتنوّعة، وقُتل المئات من المدنيين لاغتيال قائد واحد.
ثانياً، استعملت إسرائيل بالتعاون مع الأجهزة الاستخبارية الأميركية والأوروبية أحدث ما تمتلكه من تقنيات، للتجسّس ومراقبة الهواتف على أنواعها، واختراق شبكات الاتصال، وتطبيقات التواصل الاجتماعي، مع استعمال الذكاء الاصطناعي على نحوٍ مكثّف، لتحليل كلّ المعلومات المجمّعة من ذبذبات صوتية وملامح الوجوه، وذلك منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في شهر تشرين الأول العام الماضي. ولم تنجح كلّ هذه الإمكانيات الهائلة في رصد مكان السنوار في الوقت المناسب، حيث أفلت منهم في اللحظات الأخيرة، بحسب ما ذكرته تقارير إسرائيلية.
ثالثاً، إنّ الغارات المتواصلة على أمكنة إيواء النازحين في المدارس والمستشفيات ومقارّ الأونروا، تهدف بالدرجة الأولى، إلى اغتيال قادة المقاومة، من خلال تتبّع الأماكن المحتملة لأقاربهم ومعارفهم، فضلاً عن أوامر الإخلاء الفجائية، من مكان إلى آخر، بذريعة القيام بعمليات قتالية في مواضع محدّدة، ثم سرعان ما يتبيّن أنّ أماكن السكن التي نزحوا منها هي مستهدفة أصلاً بالتدمير المنهجي، لتوسيع نطاق السكن في الخيم المكشوفة بسهولة نسبية لأجهزة الرقابة والاستهداف القاتل. كما تكرّرت الغارات على قوافل النازحين منذ بداية الحرب وعلى مراكز الإيواء المصنّفة سابقاً على أنها آمنة. وكلّ هذا نوع من الخداع المدروس لاغتيال السنوار ورفاقه.
رابعاً، اللجوء أخيراً إلى حملة التلقيح ضدّ شلل الأطفال، بشكل مرحلي، بين وسط القطاع وجنوبه وشماله، يمكن أن يحدّد بشكل أفضل، عن طريق جمع عيّنات الحمض النووي خلال التلقيح، أقارب المطلوبين إسرائيلياً، وتتبّعهم لاحقاً عبر الرقابة الإلكترونية والجوية على مدار الساعة، للعثور على هؤلاء المطلوبين، واغتيالهم. فبعد 11 شهراً من القتال، وتدمير الأنفاق المحتملة، وقطع سبل الحياة عن الساكنين لما تبقى من أنفاق، من غذاء وطبابة وطاقة لازمة للتهوئة وسوى ذلك، ثمّة احتمال معتبر بأن يخرج هؤلاء إلى فوق الأرض ويختلطوا مع الناس. وأكثر الأماكن أماناً لهؤلاء هي التي يعيش فيها النازحون من أهاليهم وأقاربهم الذين لن يشوا بهم إلى الاستخبارات الإسرائيلية.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط