دولي وعربي


تسونامي البيت الأبيض والعهد الذي انتظره الجمهوريون

الأربعاء 16 نيسان 2025 - 0:15

كتبت (كارولين البعيني – واشنطن)

بعد ثلاثة أشهر من عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بات واضحًا بشكل متزايد أن قيادته هي بالضبط ما تحتاجه الولايات المتحدة لمعالجة الخلل الهيكلي الذي عصف بالسياسة والمجتمع الأميركي لعقود. وبينما يعتبر كثيرون ان أساليبه مثيرة للجدل، لا يُمكن إنكار أن ترامب يحاول  بالفعل تصحيح  عيوبًا جوهرية في النظام الفيدرالي.

نعم دونالد ترامب ادرك الخلل في الدولة الفيدرالية وفي المجتمع الاميركي، وهو حتماً يحاول معالجته. فهل سينجح أم لا؟ هو أمر مرهون بالسنوات القادمة، لكنه لا شك يسلك المسار الصحيح.

اما بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يشككون، وخاصةً في مجتمعات المهاجرين أو بين غير الأميركيين المُراقبين من بعيد، فمن المهم النظر في عدة مجالات رئيسية تُلامس فيها سياسات ترامب جوهر قضايا طال أمدها.

الهجرة وسيادة القانون

لا تزال الهجرة غير الشرعية تُمثل تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة. كأي دولة ذات سيادة، لأميركا الحق - والمسؤولية - في تنظيم حدودها وتطبيق قوانين الهجرة، ولا تزال المسارات القانونية للحصول على الجنسية متاحة  لمن يستوفون المعايير. إن التحايل على هذه القوانين يقوض سيادة القانون، ويستنزف الموارد الوطنية. هذا المبدأ ليس حكراً على الولايات المتحدة وحسب، فمعظم الدول، بما في ذلك العديد من الدول العربية، تفرض ضوابط هجرة أكثر صرامة، ولا تمنح الجنسية تلقائياً لمن يولدون على أراضيها.

في هذا السياق يستحق النقاش حول حق المواطنة بالولادة وضرورة إعادة نظر جادة بهذه الأمر. فالتعديل الرابع عشر، المصمم في حقبة مختلفة تماماً، يُستخدم اليوم بطرق لم يتوقعها واضعوه قط. إن فكرة منح الطفل المولود لأبوين غير أميركيين الجنسية الأميركية تلقائياً - بغض النظر عما إذا كانت عائلته تنوي الاندماج أو المساهمة في المجتمع الأميركي - تستحق مراجعة نقدية. لا يتعلق الأمر بالإقصاء؛ بل بمواءمة المواطنة مع الانتماء الوطني الحقيقي.

المواطنة والهوية الوطنية

ينبغي أن تعكس المواطنة شعورًا بالقيم المشتركة والمسؤوليات والولاء للوطن. وللأسف، نشهد حالاتٍ لأفرادٍ وُلدوا في الولايات المتحدة، لكنهم نشأوا في الخارج دون أي صلة تُذكر بالمجتمع الأميركي، يعودون بجواز سفر دون أي شعور بالولاء. بل إن بعضهم يحمل استياءً عميقًا تجاه الولايات المتحدة، غالبًا ما تُشكّله الخطابات السياسية الأجنبية. وطبيعي ان لا نتوقع من المستفيدين من الجنسية الأميركية إظهار الانتماء الوطني وحب الوطن.

السياسات الاقتصادية: العدالة والمساءلة

أثارت السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب - وخاصةً المتعلقة بالضرائب والتجارة - انتقاداتٍ محلية ودولية. ومع ذلك، فإن الكثير من ردود الفعل السلبية لا تُدرك الهدف الأساسي اي العدالة. لطالما تحملت الولايات المتحدة عبئًا غير متناسب في التجارة العالمية، وغالبًا ما تواجه البضائع الاميركية تعريفاتٍ جمركيةً مرتفعةً في الخارج  فيما الواردات اليها من كافة دول العالم تصل إلى السوق الاميركي من دون اي تعرفة تذكر. يسعى نهج ترامب في الضرائب المتبادلة، وخاصةً في تعاملاته مع دولٍ مثل الصين وكندا والهند وغيرها ، إلى تحقيق تكافؤ الفرص.

والمؤسف ان الاعتراضات على نهج الرئيس الجديد تأتي أولاً  من أفراد اميركيين استفادوا من النظام، ثم استغلوه. هناك حالات لمواطنين أو مقيمين مزدوجي الجنسية يجمعون ثروات في الولايات المتحدة، ويعلنون إفلاسهم للتهرب من الضرائب، ثم يعودون إلى بلدانهم الأصلية لينعموا بثمار هذا الاستغلال.

الهوية الجندرية

منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، اتخذ الرئيس دونالد ترامب سلسلة من القرارات التنفيذية الداخلية  التي أثارت جدلاً واسعًا في الولايات المتحدة ومنها  تحديد الهوية الجندرية؛ إذ أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بـ “الاعتراف بجنسين فقط، "ذكر وأنثى" وألغى سياسات سابقة تسمح للأشخاص المتحولين جنسيًا بالخدمة في الجيش، كما وجه الوكالات الفيدرالية بالتوقف عن استخدام الهوية الجندرية أو الضمائر المفضلة في الوثائق الرسمية، والتي كادت تصبح أمراً مفروضاً في كل المؤسسات العامة والخاصة وحتى داخل المدارس والمستشفيات حيث يحق للشخص تحديد ما إذا كان سيطلق عليه ضمير هو او هي او حتى هم!

الطاقة والبيئة

انجاز آخر للرئيس دونالد ترامب  إعلانه حالة طوارئ وطنية في قطاع الطاقة بهدف توسيع إنتاج النفط والغاز، وإلغاء اللوائح التنظيمية المتعلقة بالانتقال إلى السيارات الكهربائية. كما أوقف مبيعات تأجير مشاريع طاقة الرياح البحرية، وألغى التجميد المفروض على تصاريح تصدير الغاز الطبيعي المسال. 

الإصلاح الحكومي

الإصلاح الحكومي كان الشغل الشاغل لترامب، فجاء تعيينه إيلون ماسك على رأس “لجنة كفاءة الحكومة” بهدف تقليص حجم الحكومة الفيدرالية، ليكشف عن الهدر الحاصل في مؤسسات الحكومة الفيدرالية على كل المستويات، ما دفع ماسك إلى تسريح العديد من الموظفين الحكوميين ووقف  الإنفاق الحكومي في مشاريع غير مجدية في الخارج كما الداخل.

لن نتحدث عن سياسة ترامب الخارجية علماً ان جهوده في وقف الحرب بين أوكرانيا وروسيا لم تحقق تقدماً ملموساً برغم وعوده المتكررة بوقف الحرب. كما لن نتحدث عن المفاوضات التي يجريها من أجل حل أزمات الشرق الأوسط ورفع الحصار عن غزة الذي لا يبدو ممكناً في  المدى القصير. ولكن ما تمكن من تحقيقه للداخل الاميركي لا يمكن تجاهل.

إن قيادة الرئيس ترامب، وإن لم تخلُ من عيوب، تعكس تحولًا ضروريًا نحو استعادة كرامة الدولة الأميركية وقوتها.

ولمن ينظر إلى هذا الأمر بتشكيك أو ازدراء، يجدر بنا أن نسأل: ما هو نوع المستقبل الذي نتصوره للولايات المتحدة؟ مستقبل يُحترم فيه القانون وتُحترم المواطنة، أم مستقبل تُقوّض فيه الثغرات والمعايير المزدوجة أسس الجمهورية ذاتها؟

لم يعد بإمكان أميركا أن تكون البقرة الحلوب للعالم أو المتلقي السلبي للسخط العالمي. المخاطر كبيرة جدًا، والعالم يراقب.

هناك انقسام كبير حول ما يفعله الرئيس الذي وصف بتسونامي السياسة الاميركية إلا انه حان الوقت لموقف أمريكي أكثر حزمًا برأيي الجمهوريين هنا، موقف يُقدّر المساءلة، ويحترم القانون، ويدافع عن المصالح الوطنية دون أي اعتذار. إن قيادة الرئيس ترامب، وإن لم تخلُ من عيوب، تعكس تحولًا ضروريًا نحو استعادة كرامة الدولة الأمريكية وقوتها.

 



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة