
السبت 8 آذار 2025 - 0:03
خاص (أيوب)
ليست المرة الأولى التي تضحّي فيها إيران بحلفائها وأتباعها من أجل ما تعتبره أمنها القومي. وهذا التحريض العلني لفلول النظام الأسدي البائد ضد الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لم يكن ليغيّر شيئاً يُذكر في موازين القوى الداخلية. فالأقلية العلوية، بل كل الأقليات مجتمعة لا تستطيع الوقوف بوجه الأكثرية السنية التي أضحت بعد 14 عاماً من الثورة والحرب، ذات مِراس وشوكة في المجابهة والقتال، ونفضت عنها عقوداً من الذل والهوان والخضوع في عهد الأسدين. وما شهدته سوريا من حراك شعبي سني مسلح هائل نصرةً لأهل السنة في الساحل غداة التمرد العسكري المنظم ليل الجمعة الفائت، والذي استهدف العسكريين ورجال الأمن والمدنيين السنة على حدّ سواء، أبلغ دليل على استبعاد أي احتمال لتبديل الميزان وقد انكفأ وانتكس. وهنا يُطرح السؤال: ما الذي قصدته إيران من إثارة الفوضى في سوريا وإعاقة بناء دولة قوية فيها؟ ألا تدرك أن تغريرها لأهل الساحل من العلويين، وهم الذين تورط عدد كبير منهم في الانتهاكات الجسيمة في عهد بشار الأسد، يوشك أن يوقعهم في مذبحة هائلة، أو فخ قاتل؟ وما الذي كان يأمل به المتمردون من خلال الرهان على دعم داخلي أو خارجي؟
قد يكون الجواب جزئياً عن السؤال الأول (مقصد إيران من التحريض) في الخبر الذي كشف النقاب عنه موقع أكسيوس الأميركي أمس الجمعة. ومضمونه أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أرسل خطاباً إلى الزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي يوم الأربعاء الماضي، أي قبل يوم من الأحداث الدامية في الساحل السوري. ترامب وفي مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس" قال إنه أرسل رسالة إلى خامنئي يبوح فيها برغبته التوصل إلى اتفاق نووي جديد معه، فيما نفت البعثة الإيرانية إلى الأمم المتحدة تلقي أي رسالة من ترامب. أخطر ما جاء في هذه الرسالة، أن القيادة الإيرانية مخيرة بين القبول بالتفاوض على اتفاق نووي جديد يضمن عدم تصنيع سلاح نووي، وبين أمر آخر، لم يصرّح عنه، لكن البديل من الاتفاق هو الخيار العسكري؛ إذ قال حرفياً: "البديل الآخر هو أنه يتعين عليك القيام بشيء ما لأن إيران لا يمكن أن يكون لها سلاح نووي".
إلى ذلك أخبر ترامب المراسلين في المكتب البيضاوي يوم الجمعة الفائت أن الأيام القادمة "ستكون مثيرة للاهتمام" بشأن إيران. وأضاف: "إننا نتعامل مع السكتات الدماغية النهائية مع إيران. لقد وصلنا إلى اللحظات الأخيرة. لا يمكننا أن ندعهم يحصلون على سلاح نووي. سيحدث شيء ما في وقت قريب جداً. أفضّل أن أحصل على صفقة سلام من اعتماد الخيار الآخر، ولكن الخيار الآخر سيحل المشكلة".
وكان خامنئي قد أعلن إنه لا يدعم المحادثات المباشرة مع إدارة ترامب لأنه لا يثق في الولايات المتحدة، فيما قال الرئيس الإيراني مسعود بيزيشكيان الأسبوع الماضي إنه يدعم حواراً مع الولايات المتحدة، لكنه سيتبع نصيحة خامنئي في هذا المجال.
ماذا يعني ذلك، وما علاقته بالتصعيد في الساحل السوري؟ إيران تعشق التفاوض تحت النيران، وبما أنها تعتبر أن تغيير النظام في سوريا، نتيجة خطة أميركية إسرائيلية، لإضعاف محور المقاومة، فهي تظن أن إرباك النظام السوري الجديد، ورقة ضغط على الإدارة الأميركية، حتى لو كان اللعب بالأوراق ثمنه مكلف جداً، وليس أقل من إزهاق مئات الارواح في سوريا لمجرد الضغط على صانعي السياسات، أو التناغم مع التوجه الإسرائيلي الواضح بتقسيم سوريا إلى ثلاث أو أربع دويلات، في محاولة من طهران لتقريب الأهداف وتخفيف الاختناقات.
أما ما كان يريده فلول النظام في الساحل، من تحركهم الفاشل، فهو كما قال الرئيس أحمد الشرع حرفياً في خطابه مساء أمس: "استفزاز الدولة بالهجوم على قوى الأمن، واستجلاب الرد القوي من القوات النظامية والشعبية على هذا الاستفزاز، وذلك من أجل استجداء الدعم من الخارج".
بالعودة إلى رسالة ترامب إلى خامنئي، يشير موقع أكسيوس إلى أن ترامب يقلّد ما فعله الرئيس السابق باراك أوباما الذي أرسل خطاباً إلى خامنئي في عام 2009 مقترحاً التفاوض لإنجاز اتفاق نووي. لكن ترامب انتقد أوباما بشكل حاد بسبب الصفقة النووية عام 2015. وقد قرر ترامب الانسحاب من هذه الصفقة عام 2018 خلال ولايته الأولى. وفي السنوات الأربع منذ ذلك الوقت، حقق البرنامج النووي الإيراني تقدماً مهماً، وهو أقرب من أي وقت مضى لإنتاج سلاح نووي. فمخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة 60٪ يكفي لإنتاج ست قنابل نووية إذا جرى تخصيبه إلى درجة 90٪، وفقاً لوكالة الطاقة الذرية الدولية.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط