
الاثنين 15 تموز 2024 - 0:01
خاص (أيوب)
يمكن لأنصار دونالد ترامب الاحتفال منذ الآن بفوز زعيمهم المحبوب في معركة الانتخابات الرئاسية حتى قبل أربعة أشهر من الموعد المقرّر، حتى لو رجع بايدن أربع سنوات إلى الوراء، واختفت لديه كلّ مظاهر التعثّر اللفظي والتقطّع الذهني. وحتى لو تنحّى بايدن الآن ووضع الديمقراطيين كلّ مواردهم المالية والذهنية والمعنوية لإنجاح بديل منه في مواجهة ترامب، وكان البديل يتصف بالكاريزما الشخصية والوجاهة السياسية، فقد لا يجدي الأمر بعد نجاة ترامب من موت حتمي برصاصة قناص في تجمع انتخابي في بنسلفانيا.
هذا الوضع الميؤوس منه لبايدن وحملته الانتخابية، وصفه موقع أكسيوس بكلمات معبّرة: "فلم يكن الجمهوريين بحاجة إلى أكثر من هذه اللحظة الفارقة؛ إذ تعرّض ترامب لعملية اغتيال عشية انعقاد المؤتمر القومي للحزب الجمهوري، والذي سيثبّت ترشيج ترامب عن الحزب، في حين أنّ غريمه الرئيس جو بايدن يعاني من أكثر من أسبوعين من التداعيات السيئة للغاية لمناظرته الأولى مع ترامب"، وقد ساد التململ داخل قيادات الحزب الديمقراطي، ولدى قادة الرأي من إعلاميين وناشطين ورجال كونغرس، وبايدن يقاوم الضغوط المكثّفة عليه كي يتنحّى عن المعركة، فيما يحيط به المنتفعون من وجوده على رأس الولايات المتحدة، ويحرّضونه على البقاء في السباق الرئاسي، كي يستمروا هم، وتتواصل منافعهم. وتتشكّل دائرته الضيقة من أسرته الصغيرة لا سيما زوجته "جيل" وابنه المُدان قضائياً "هانتر"، ومن أقرب مساعديه، ومن ممثّلي المصالح عبر جماعات الضغط المختلفة، وهم أبرز مموّلي حملته.
لقد شعر ترامب بالرصاصة وهي "تمزّق" جلده، كما كتب بنفسه على منصته الإعلامية Truth Socialالتي أسّسها ترامب بديلاً من منصة تويتر سابقاً، والتي أوقفت حسابه عندما حرّض على رفض نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة.وسيُرحّب به الجمهوريون في مؤتمرهم الذي ينعقد اليوم في ميلووكي كبطل ومقاتل، وسيكون كالمسيح المنتظر لبعض مناصريه من الطائفة الإنجيلية. واحتلت صور إطلاق النار على ترامب صدر الصفحات الأولى من الصحف والمواقع في جميع أنحاء العالم صباح الأحد الماضي، وأضحى أيقونة في الوقت الراهن، مع الدم يقطر من أذنه اليمنى، وهو يرفع قبضته ملوّحاً لأنصاره المصدومين، من بين رجال الخدمة السرية المكلّفين بحمايته والمتحلّقين حوله، وهو يصرخ أثناء نقله من مكان الحدث: "كافحْ ... كافحْ... كافحْ!". هذه الصورة التي صنعها ترامب لنفسه، كردّ سريع على نجاته من الموت بأعجوبة، وكان على مسافة سنتمترات قليلة منه، حسمت النزال الانتخابي قبل أن يبدأ، وأوقعت بايدن في مأزق لا خلاص منه. فحتى بعد أدائه السيء جداً في المناظرة الأولى، وانقسام الديمقراطيين عليه، ظلّت استطلاعات الرأي تعطيه فرصة متساوية تقريباً مع ترامب للفوز. أما بعد محاولة الاغتيال، فقد ارتفعت نسبة التأييد لترامب إلى 69%. والأسوأ من ذلك، أنّ استراتيجية بايدن كانت اختارت أخيراً في دعايتها المدفوعة الأجر، التركيز على اهتزاز شخصية ترامب. لكن بعد تحوّل ترامب إلى أيقونة، جاذباً إليه تعاطف الملايين من المحايدين، أو الجمهوريين الذين لا يحبونه، فضلاً عن بعض من صوّتوا سابقاً لبايدن في الانتخابات السابقة، فلن يتمكّن بايدن من تنفيذ استراتيجيته المذكورة حتى لا تنقلب إلى ما هو أسوأ.
ماذا يعني الاغتيال الآن؟
لكن بالعودة إلى محاولة الاغتيال نفسها، هل يمكن اعتبارها حادثاً معزولاً أم عملاً من تدبير الدولة العميقة، كما كان يصف ترامب أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والبيروقراطية؟ الدولة الأميركية التي رأت في سلوك ترامب في ولايته الأولى (2016-2020) خطراً قاتلاً على استقرار الولايات المتحدة وسلامة عمل الأجهزة المختلفة، وعلى العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وحلفائها في العالم، هي التي اختارت جو بايدن، رجل الدولة القديم، والذي تنقّل بين أروقة الكونغرس (ممثلاً ولاية ديلاوير بين عامي 1973 و2009) والبيت الأبيض (نائباً للرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2009 و2017)، كي يهزم الزعيم الشعبوي والفوضوي دونالد ترامب الذي لا يراعي القواعد ولا يعبأ بنصائح الخبراء والمؤسسات. لكن الرجل الذي هزم من عجز أمامه أساطين الحزب الجمهوري، هزمه الزمن، فبات أضحوكة في دوائر السياسة والإعلام في أميركا والعالم. ولم تنجح الوسائل القضائية ولا الإعلامية في تدمير حظوظ ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض. صحيح أنّ ترامب انتهك القوانين وحرّض على العنف ورفض نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية، إلا أنّ إدارة المسار القضائي وتوقيت إصدار الأحكام ضدّه تكشفان التسييس القضائي. حتى منحه الحصانة من المحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون (6 من أصل 9 قضاة) بعد تفوّقه في مناظرته الأولى أواخر حزيران الماضي على بايدن الخَرِف، يدلّ على مدى التسييس لكل شيء في الولايات المتحدة.
الكارثة آتية
وبناء عليه، فإن الملابسات الغامضة لمحاولة الاغتيال (مثل كيفية وصول القناص إلى المكان المشرف على التجمع الانتخابي دون انتباه جهاز الحماية)، وعدم معرفة الدوافع الحقيقية لعملية الاغتيال، وشخصية الفاعل نفسه وهو جمهوري يكره ترامب (توماس ماثيو كروكس20 عاماً)، وقتله فور إطلاقه النار. كلها تشابه بالخطوط الكبرى، طريقة اغتيال الرئيس السابق جون كينيدي عام 1963. ولم لا تكون الأجهزة المتوجّسة من عودة ترامب والانتقام منها، قرّرت قطع الطريق عليه؟ هو مجرّد تساؤل ليس مستبعداً كثيراً. ولو كان هذا صحيحاً، فإن الكارثة الحقيقية لم تأتِ بعد.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط