دولي وعربي


بايدن يُراهن على السنوار

الأحد 2 حزيران 2024 - 0:00

خاص (أيوب)

أقدم الرئيس الأميركي يوم الجمعة الماضي على خطوة غير اعتيادية، عندما لخّص بنفسه المقترح الإسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة وفق ثلاث مراحل. وعلى الرغم من أنّ المقترح المذكور يتضمّن البنود التي وافقت عليها حركة حماس في آخر جولة من المفاوضات قبل أن يتراجع نتنياهو عن الاتفاق، إلا أنّ روحية الخطاب الذي أدلى به بايدن، وما نقله موقع أكسيوس الأميركي عن مصادر سياسية في البيت الأبيض، يشيران إلى جهود مبذولة منذ أيام، وما زالت قائمة مع الدول التي لها صلة مع حماس مثل قطر التي تستضيف المكتب السياسي للحركة، أو مع دول لها اتصال مع الدول التي لها صلة بالحركة من أجل دفع قادة حماس إلى اغتنام الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان.

مسؤولون أميركيون قالوا إنّ خطاب بايدن ابتغى حشد الدعم الدولي للاقتراح، وزيادة الضغط على حماس لقبول الصفقة. وبالنسبة لبايدن، هذا هو المسار الأكثر جدوى لإطلاق استراتيجية الخروج من الحرب. وإذا رفضت حماس الاقتراح، فإن وقف إطلاق النار سيكون غير مطروح على الطاولة. وعليه، من المرجّح أن تتصاعد الأزمة في غزة. وبالفعل، تحقّق الهدف الأول من خطاب بايدن، بسرعة مدهشة، إذ سارعت الدول بما يشبه الإجماع إلى تأييد المقترح الذي أعلنه بايدن. أما الضغط على حماس لقبول الصفقة، فهو عائد إلى أنها أعلنت يوم الخميس أنها لن تعود إلى المفاوضات قبل وقف الحرب أولاً،. لكنها بعد الخطاب، أعلنت أنها "تنظر بإيجابية" إلى خطاب بايدن، وتنتظر المقترح مكتوباً لدراسته. وكان لافتاً ما قاله مسؤول أمريكي كبير لـ أكسيوس إن هناك فرقاً بين ما قالته حماس علناً لتعديل شروطها لاستئناف المفاوضات، وما قالته سراً للوسطاء القطريين. وبحسب المسؤول الأميركي: "هذا الاتفاق يوقف الحرب. هذا ما تريده حماس. يمكنهم أخذ الصفقة. بدلاً من ذلك، إذا اختار قادتها العيش في أعماق الأرض، واحتجاز رهائن أبرياء، بمن فيهم نساء، مع استمرار الحرب ومعاناة سكان غزة، فسيكون هذا خيارهم". وأضاف: "إنّ بايدن وفريقه يعتقدون أنّ الاقتراح المكوّن من أربع صفحات ونصف الصفحة، والذي طرحه الرئيس في خطابه "مطابق تقريباً" للاقتراح الذي قدّمته حماس قبل ثلاثة أسابيع، مع وجود فجوات صغيرة باقية. وكان نتنياهو رفض الاقتراح الأخير قبل معركة رفح. لكنه بعد بضعة أيام، وتحت ضغط من قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية والأعضاء الآخرين في حكومة الحرب، وجد نتنياهو نفسه معزولاً، وأيّد الاقتراح.

إلا أنّ الهدف الحقيقي من خطاب بايدن، ليس الضغط على حماس، بقدر ما هو الضفط فعلاً على نتنياهو، يتبيّن ذلك من كشف بنود الاقتراح الذي وافقت عليه حكومة الحرب الإسرائيلية، وإحراج نتنياهو علناً، مع الزعم بأن هدفه هو الضغط على حماس كي تقبل، وهذه مراوغة كبيرة من جانب بايدن، ومناورة مدروسة مع جهات داخل إسرائيل وخارجها.

في البداية، وقد حاول نتنياهو استيعاب الصدمة، لم يرحّب بخطاب بايدن لكنه لم يهاجمه أيضاً. وأكد بيان صادر عن مكتبه تفاصيل الاقتراح الذي قدّمه بايدن، وادّعى أنه سيسمح لإسرائيل بتحقيق أهدافها الحربية، بما في ذلك تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية. لكن بعد أن أدرك نتنياهو مآل المقترح الذي كشفه بايدن، أصدر مكتبه بياناً آخر يوم السبت قال فيه إنّ أهداف إسرائيل: "تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وضمان أنّ غزة لم تعد تشكّل تهديداً لإسرائيل"، يجب تحقيقها قبل أن يبدأ وقف دائم لإطلاق النار. وهذا ردّ على بايدن كما يبدو، إذ إنّ الرئيس الأميركي في خطابه، فنّد حجج نتنياهو وذرائعه للاستمرار في الحرب، قائلاً إنّ حماس تلقّت ضربة قوية لن تسمح لها بتكرار ما فعلته في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ماذا يعني ذلك؟

أولاً، توقيت خطاب بايدن، له علاقة وثيقة بحكم الإدانة الذي تلقّاه خصمه السياسي دونالد ترامب، إذ جاء الخطاب بعد ذلك الحكم. والمغزى أنّ بايدن استغلّ لحظة ضعف ترامب حليف نتنياهو، لممارسة الضغط على نتنياهو كي يوقف الحرب. أراد أن يُفهم نتنياهو أنّه يواجه المرشّح الرئاسي الأقرب إلى الفوز، وأنّ عليه التوقّف عن محاولات إضعافه في مواجهة ترامب، من خلال إحراجه تكراراً في حربه المجنونة على غزة.

ثانياً، من الواضح، أنّ بايدن يريد إيقاف الحرب، قبل المناظرة الرئاسية الأولى مع ترامب أواخر هذا الشهر. وهو يحاول تحريض الرأي العام الإسرائيلي كما بعض أعضاء حكومة الحرب على نتنياهو، كي يوقف الحرب، ويكتفي بما حقّقه الجيش الإسرائيلي من تدمير غزة وبعض قدرات حركة حماس. إعادة الإعمار وحدها ستفرض هدنة طويلة في القطاع، ولن تقوم الفصائل الفلسطينية بأيّ هجوم لاحقاً، حفاظاً على الناجين من المذبحة المروّعة، وضماناً لاستعادة ما أمكن من إمكانيات العيش.

ثالثاً، على الرغم من الموقف الأميركي الرسمي من حركة حماس، بوصفها حركة إرهابية، ومع أنّ إدارة بايدن دعمت إسرائيل بشكل مطلق في هذه الحرب، التي أوقعت أكثر من 100 ألف شهيد وجريج ومفقود، فضلاً عن اختطاف آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع، إلا أنّ تعويل هذه الإدارة يبقى على براغماتية حركة حماس، كي يتمكّن بايدن من كبح جماح نتنياهو والمتطرّفين الذين هم بنظر الديمقراطيين المتصهينين في الولايات المتحدة خطر وجودي على إسرائيل.

يبقى السؤال: هل ينجح بايدن في ترويض نتنياهو؟



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة