دولي وعربي


انتفاضة إسرائيلية غير مسبوقة ضدّ نتنياهو

الاثنين 2 أيلول 2024 - 0:04

خاص (أيوب)

بنيامين نتنياهو هو الآن في أسوأ اللحظات السياسية أمام عموم الجمهور الإسرائيلي منذ هجوم "طوفان الأقصى"، وهو الذي ما فتئ يتلاعب بالرأي العام الإسرائيلي، وبحلفائه لا سيما الولايات المتحدة، وبإدارة جو بايدن خاصة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، مُجهضاً مسودات الاتفاق الواحدة تلو الأخرى، كلما اقترب الطرفان: إسرائيل وحركة حماس من الاتفاق على هدنة مؤقتة لست أسابيع فقط، يستأنف بعدها حملة الإبادة المنهجية لسكان غزّة، ومن ضمنها التدمير المنظّم لكلّ معالم العمران، وللمؤسسات على أنواعها، لا سيما المستشفيات، بإضافة بنود تعجيزية كلّ مرة، مستفيداً من الدعم الأميركي غير المحدود، وبهدف الوصول إلى الهزيمة الكاملة للمقاومة الفلسطينية في غزّة حتى لو مات كلّ الأسرى الإسرائيليين في الأنفاق. فما الذي غيّر مجرى الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، وقلب المسار رأساً على عقب؟

سلسلة من الأحداث المهمة تتابعت منذ الخميس الماضي، سياسياً، وترافقت مع تصعيد عسكري غير مسبوق في الضفة الغربية، تمثّل بعمليات مقاومة متنوّعة، من تفجيرات، وهجمات منسّقة على مواقع أمنية، وشنّ الجيش الإسرائيلي عمليات واسعة النطاق في شمال الضفة، وتوجّه متصاعد لعودة العمليات الاستشهادية على نطاق واسع.

 أولاً، كانت الصدمة عندما أبلغ نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت يوم الخميس الماضي، أنّ الأولوية لديه، هي إبقاء القوات الإسرائيلية في ممر فيلادلفي، الذي يبلغ طوله أكثر من 14 كيلومتراً على الحدود المصرية الفلسطينية من إنقاذ الإسرائيليين الأحياء في غزة. ويقصد بذلك، إبقاء الجنود الإسرائيليين خلال 42 يوماً، وهو زمن الهدنة المؤقتة، وهو ما ترفضه حماس، مما يعرقل إنجاز الاتفاق. وتعارض المؤسستان العسكرية والأمنية، توجّه الحكومة ورئيسها، لأنه لا قيمة لهذه السيطرة. فخلال الأسابيع الستة، لن تتمكّن حماس وبقية الفصائل من ترميم قوتها من خلال التهريب إبّان الهدنة، كما يزعم نتنياهو. ولن تستطيع حفر أنفاق جديدة بين غزة ومصر، مع الرقابة الشديدة على الحدود. وبحسب محضر الاجتماع الذي سرّبته القناة 12 الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي، لم يتمّ إطلاع الوزراء مسبقاً بأنهم سيصوتون على خرائط جيش الدفاع الإسرائيلي المتعلقة بالممر المذكور. عندها انتفض وزير الدفاع غالانت وقال للوزراء: "حماس لن توافق عليها، لذلك لن يكون هناك اتفاق، أو هدنة، ولن يُطلق سراح أيّ رهائن". وردّ نتنياهو: "هذا هو القرار". ثم دفع وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر المقرّب من نتنياهو للمضي قدُماً نحو التصويت على الخرائط التي قدّمها الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي للوسطاء في القاهرة. لكن غالانت قال إنّ الخرائط التي قدّمها الجيش تتعارض مع موقف الحكومة. عندها ضرب نتنياهو بيديه على الطاولة، مطالباً بالتصويت الفوري على خرائط فيلادلفي. أخبر غالانت الوزراء بأن تصويتهم يعني أنه إذا واجهت إسرائيل "احتمالين - إما إبقاء الجيش الإسرائيلي منتشراً في ممر فيلادلفي أو إعادة الأسرى إلى إسرائيل - فأنتم تقررون البقاء في ممر فيلادلفي. هل يبدو هذا منطقياً؟ وصاح غالانت: "هناك أسرى أحياء في غزة!". وردّ ديرمر، "يمكن لرئيس الوزراء أن يفعل ما يريد". جرى التصويت، وبقي وزير الدفاع وحيداً. لكنه قال لنتنياهو: "سوف تخضع في نهاية المطاف لمطالب السنوار". وردّ نتنياهو بأنه لا يخضع لإملاءات من أحد.وقال غالانت: "ماذا يحدث عندما تكون حياة 30 شخصاً على المحك؟ ماذا تفعل؟. قال نتنياهو بحزم: "سأبقى في فيلادلفي، المفاوضات الحاسمة فقط هي التي ستجبر السنوار على الاستسلام". جرت الموافقة على خرائط الانتشار الإسرائيلي على الحدود الفلسطينية المصرية، في المجلس الحكومي الأمني الإسرائيلي بأغلبية ثمانية أصوات مقابل صوت واحد هو غالانت، وامتناع واحد عن التصويت، هو وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير لأنه يؤيد الحفاظ على الوجود العسكري الكامل في المحور، وفي كل أنحاء غزة.

ثانياً، صدمة ثانية، أشدّ وطأة من الأولى، بل تعززها إلى أقصى حدّ، عندما أعلن مسؤولون إسرائيليون العثور بعد ظهر السبت الماضي، على جثث ستة أسرى إسرائيليين في نفق بمدينة رفح، لكن التعرف على الجثث وإخطار العائلات استغرق ساعات عديدة. خمسة من القتلى قبضت عليهم حماس من مهرجان نوفا الموسيقي في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. أما الرهينة السادس، كارميل غات، فقد أُسر من بلدة بئيري. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال البحري دانييل هاغاري إن حراس حماس قتلوا الرهائن "قبل وقت قصير من وصول قوات جيش الدفاع الإسرائيلي إليهم". والخبر الأسوأ بالنسبة لإدارة بايدن في سنة انتخابية حاسمة، أنه من بين القتلى هيرش غولدبرغ بولين، وهو مواطن أميركي أصبح رمزاً للرهائن الأميركيين الذين تحتجزهم حماس. وشوهد غولدبرغ بولين آخر مرة في مقطع فيديو نشرته حماس في أبريل/نيسان الماضي. وتحدث والداه مؤخراً في المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو، حيث كان هناك آلاف من الحضور يهتفون "أعيدوهم"، ويطالبون بالإفراج عن الرهائن. الخبر أصاب بادين، ونائبته المرشحة كامالا هاريس بالتعاسة. كما نشر اليأس من إمكان التعامل مع نتنياهو وحكومته المتطرفة في حين كان المفاوضون الإسرائيليون ورؤساء أجهزة الأمن والمخابرات يحثون نتنياهو ومجلسه الأمني منذ أشهر على التوصل إلى اتفاق لتأمين إطلاق سراح الرهائن. وقال مسؤول إسرائيلي كبير لوكالة أكسيوس يوم السبت: "حذرنا نتنياهو ووزراء الحكومة بشأن هذا السيناريو بالضبط لكنهم لم يستمعوا".

ثالثاً، أثار البيان المقتضب للجيش الإسرائيلي ضجة غير مسبوقة بين عائلات الرهائن الإسرائيليين، الذين كانوا غاضبين بالفعل من قرار الحكومة، والذي اعتبروه خطوة متعمدة من جانب نتنياهو لتخريب الصفقة. ودعت منظمة منتدى عائلات الرهائن، إلى احتجاج حاشد ضد نتنياهو يوم الأحد الماضي، فامتلأت الشوارع بعشرات الآلاف. وقالت المجموعة في بيان يوم السبت: "تخلى نتنياهو عن الرهائن. هذه حقيقة الآن. بدءاً من الغد سترتجف البلاد. ندعو الجمهور إلى الاستعداد. سنوقف البلاد. انتهى التخلي عن الرهائن". العنصر الأهم في المعادلة، إعلان الأمين العام لاتحاد العمال الوطني الإسرائيلي، الهستدروت، عن إضراب عام يوم الاثنين احتجاجاً على حكومة نتنياهو، مع الدعوة إلى إطلاق سراح الرهائن فوراً، ووقف إطلاق النار في غزة. والهستدروت هي نقابة عمال قوية والإضراب العام سيغلق البلاد بالكامل تقريباً. والإضراب هو خطوة غير مسبوقة من جانب الهستدروت، وقد تجنب القيام بها منذ 7 اشرين الأول/أكتوبر على الرغم من الضغوط والطلبات من عائلات الرهائن وبعض قادة المعارضة. وآخر مرة دعا فيها الهستدروت إلى إضراب عام كان في آذار 2023 بعد أن أقال نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت بسبب معارضته للإصلاح القضائي. كان الإضراب جزءاً من حملة ضغط أوسع أجبرت نتنياهو على التراجع والإبقاء على غالانت في منصبه.

هل يعني هذا، أنّ نتنياهو وصل إلى نهاية الطريق؟ من المؤكد أنه لن يتمكن من النجاة بسهولة هذه المرة.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة