السبت 28 أيلول 2024 - 0:01
خاص (أيوب)
كان يمكن لنتنياهو ببساطة أن يقبل بمشروع الهدنة المؤقتة في غزة لمدة 42 يوماً في مرحلة أولى مع إطلاق بعض الأسرى الإسرائيليين، مقابل عدد محدّد من الأسرى الفلسطينيين، فيتوقف إطلاق النار في لبنان تلقائياً، ثم يتولى الوسطاء على اختلاف جنسياتهم، حلحلة العُقد، واحدة تلو الأخرى، بما يؤدي في الأقل، إلى إيجاد حلّ سياسي للقضية الفلسطينية، بالحدّ الأدنى، طبقاً لما ذكره الرئيس الأميركي مراراً من 7 أكتوبر/تشرين الأول، عن حلّ الدولتين. لكنه أراد منذ بدء "طوفان الأقصى"، تصفية القضية نهائياً، والتخلّص من نفوذ إيران ووكلائها في المنطقة، لا سيما حزب الله في لبنان. وإلا لماذا قصف القنصلية الإيرانية في دمشق؟ ولماذا اختار اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران؟ ثم لماذا اغتال فؤاد شكر في الضاحية؟ ثم تتالت الضربات المميتة، من استخدام أدوات الاتصال قنابل تنفجر في وقت واحد تقريباً؟ ولماذا أجهض نتنياهو عمداً كلّ محاولات التهدئة في غزة ثم في لبنان؟ ولماذا يبشّر بشرق أوسط جديد بوساطة فوهات مدافع الدبابات، والقنابل الثقيلة الموجهة والدقيقة الأميركية الصنع، والتي تلقيها أحدث الطائرات الأميركية، ثم يبذل المسؤولون الأميركيون كل ما يقدرون عليه لإقناع الفلسطينيين واللبنانيين أن لا دخل لبلادهم بارتكاب هذه المجازر، ولا علم لهم بها. هل هذه طريقة تغيير المنطقة لتكون أكثر أمناً بحسب زعمهم؟ إذا كان المجانين يحكمون إسرائيل، فمن الذي يتحكّم بالقرار في الولايات المتحدة؟
استعادة مسار للأحداث على نحوٍ سريع، محاولة استشراف مآل المنطقة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية بلا هوادة ولا أفق، والتي تهدف إلى تحقيق إنجازات مستحيلة سياسياً. وقد لا يكون قصف المقرّ المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية، واستهداف قادة الحزب وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، سوى محاولة جديدة من نتنياهو، لرسم صورة جديدة للمنطقة على شاكلة إسرائيل، واستدراجها في الوقت نفسه، إلى النفق المظلم؛ إذ لا يملك في جعبته إلا خرائط الموت، ولا يوجد في عقله أيّ مكان لكيان سياسي فلسطيني من أيّ نوع كان.
يقول مسؤول إسرائيلي لموقع أكسيوس، إنّ قرار اغتيال نصر الله، هو بسبب رفضه الانفكاك عن غزة، فكان قرار إبعاده من الصورة لتسهيل ما تريده إسرائيل، من فصل لبنان عن غزة، وإعادة الهدوء إلى شمال فلسطين المحتلة، وضمان الأمن والأمان على الحدود مع لبنان، لكن إبعاد قائد ذي شعبية عريضة عن الصورة، ليس قرار سهلاً، بل هو من النوع الاستراتيجي، الذي يندرج تماماً في رؤية نتنياهو منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تتضمّن تغيير وجه الشرق الأوسط، وفي جوهر هذه العملية تبديل وجهات نظر الناس بإزاء إسرائيل، كما أكّد، ومن خلال تبديل مناهج التعليم، لمكافحة التطرف عند الفلسطينيين بالدرجة الأولى، وسحب ذلك على المنطقة كلها. لذلك كان لافتاً، اغتيال العلماء وأصحاب الكفايات العالية في غزة، بشكل منهجي، منذ بداية العدوان هناك. وما كان لافتاً منذ بدء الهجوم الجوي على لبنان فجر الاثنين الماضي، هو اغتيال عدد من أئمة المساجد الشيعية والسنية، وهذا يحدث للمرة الأولى، في الصراع مع إسرائيل، وبهذا التركيز.
ماذا يعني ذلك؟
إنّ السيد نصر الله، وبغضّ النظر عن مسؤولياته القيادية، هو صانع بامتياز للرأي العام الشيعي في لبنان وعدد من البلدان. ولذا، هذا سبب إضافي لاستهدافه، حتى لو كان التبرير الإسرائيلي بأنه يطلق الصواريخ على شمال إسرائيل، ويهدّد أمن كلّ شبر منها، بالصواريخ الطويلة المدى والمسيّرات. المراد هو إزاحة جيل تاريخي كامل من الذاكرة.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط