دولي وعربي


الصين دور متعاظم في الشرق الأوسط

الخميس 25 تموز 2024 - 0:08

كتب (أ.د. حبيب البدوي*) 

في عصر يتسم بتحوّل الديناميات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية المعقدة، تشرع بكين في مسعى استراتيجي لإعادة تعريف دورها العالمي. يشير نهج الصين تجاه الشرق الأوسط إلى تحوّل كبير في سياستها الخارجية، حيث إنّ منطقتنا العربية يهيمن عليها تاريخياً النفوذ الغربي، وهي مشحونة بنزاعات طويلة الأمد زرعها المستعمر.

تاريخياً، كانت مشاركة الصين في الشرق الأوسط تتخذ الطابع الاقتصادي في الغالب، مع التركيز على تأمين موارد الطاقة وتوسيع الشراكات التجارية. ومع ذلك، تشير التطوّرات الأخيرة إلى استراتيجية دبلوماسية أكثر دقة وحزماً. وقد دفع التعقيد المتصاعد للصراعات الإقليمية، إلى جانب المصالح الاقتصادية المتنامية للصين، إلى إعادة تقييم دورها. تظهر مشاركة بكين النشطة في تسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة – بخاصة الاجتماعات الأخيرة بين فتح وحماس - طموحها في وضع نفسها كوسيط محوري في الدبلوماسية الدولية بمواجهة تفرّد واشنطن المنحاز.

إنّ نهج بكين لبناء السلام مدفوع بعدة أهداف استراتيجية، حيث تعكس مشاركة الصين في جوهرها رغبة في تعزيز نفوذها العالمي، وترسيخ نفسها كوسيط موثوق ومحايد في حلّ النزاعات. ومن خلال وضع نفسها كميسّر للحوار والمصالحة، تهدف القيادة الصينية إلى تنمية سمعة دبلوماسية فعّالة تبرز "قوتها الناعمة"، وبهذا تميّز نفسها عن الوسطاء الغربيين التقليديين، ذوي الميول الاستعمارية، وتقديم نموذج بديل للمشاركة.

يوفّر الشرق الأوسط فرصاً وتحدّيات للصين. فمن ناحية، يمكن للوساطة الناجحة أن تعزّز موقف الصين الدبلوماسي، وتمهّد الطريق للتعاون الاقتصادي، وخاصة في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية. ومن ناحية أخرى، تشكّل الصراعات المعقّدة والراسخة في المنطقة عقبات كبيرة، تتطلّب التنقّل ببراعة في المصالح المتنوّعة والمظالم التاريخية. من هنا يتميّز نهج الصين بمزيج من الدبلوماسية الاستراتيجية والبراغماتية الاقتصادية. ومن خلال تعزيز الحوار بين الجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط، لا تسعى الصين إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي فحسب، بل تسعى أيضاً إلى تأمين موطئ قدم في جهود إعادة الإعمار والتنمية. وتعكس هذه الاستراتيجية المزدوجة طموحاً أوسع نطاقاً لدمج المبادرات الدبلوماسية مع الأهداف الاقتصادية، وتالياً، تعزيز نفوذ الصين ووجودها في منطقة حيوية استراتيجياً.

وبينما تتكشّف جهود بناء السلام التي تبذلها بكين، سيراقب المجتمع الدولي عن كثب النتائج والآثار. إنّ نجاح أو فشل هذه المبادرات لن يؤثّر في الديناميات الإقليمية فحسب، بل سيشكّل أيضاً تصوّرات دور الصين في الدبلوماسية العالمية.

تمهّد هذه المقدّمة الطريق لاستكشاف أعمق لنهج بكين للسلام، وتقدّم رؤى حول أهدافها الاستراتيجية وتحدّياتها وتداعياتها المحتملة على كلّ من الشرق الأوسط والنظام الدولي الأوسع.

من المرجّح أن تكون ردود فعل القوى العالمية الأخرى على جهود الصين لبناء السلام في الشرق الأوسط متنوّعة، متأثرة بمصالحها الاستراتيجية وتحالفاتها ووجهات نظرها حول نفوذ الصين المتنامي. فيما يلي تفصيل لكيفية استجابة اللاعبين العالميين الرئيسيين:

الولايات المتحدة الأمريكية

- فرص التعاون أو المنافسة: في حين أنّ الولايات المتحدة قد تنظر إلى دور الصين على أنه تحدٍّ محتمل، إلا أنها قد تراه أيضاً فرصة للتعاون في مبادرات معيّنة أو لإعادة معايرة استراتيجياتها الخاصة في المنطقة. قد تسعى الولايات المتحدة إلى التواصل مع الصين لضمان توافق جهودها لبناء السلام مع أهداف الاستقرار والأمن الأوسع.

- المخاوف بشأن النفوذ: قد تنظر الولايات المتحدة إلى دور الصين المتزايد في دبلوماسية الشرق الأوسط بتشكّك حذر، خاصة بالنظر إلى نفوذها التقليدي في المنطقة. قد تكون هناك مخاوف من تقويض الصين للجهود والتحالفات الدبلوماسية الأميركية، لا سيما تلك مع إسرائيل والشركاء الإقليميين الآخرين.

الاتحاد الأوروبي

- دعم التعددية: قد يرحّب الاتحاد الأوروبي بجهود الصين إذا كانت تتماشى مع الأهداف الأوسع للدبلوماسية متعدّدة الأطراف والاستقرار الإقليمي. غالباً ما تدعم أوروبا المبادرات التي تتعّز السلام والحوار، وقد تنظر إلى مشاركة الصين باعتبار أنها مكمّلة لجهودها الدبلوماسية.

- المخاوف بشأن المنافسة الاستراتيجية: على العكس من ذلك، قد تكون هناك مخاوف بشأن الآثار المترتّبة على نفوذ الصين المتنامي، خاصة إذا أدى ذلك إلى منافسة استراتيجية أو قوّض مصالح الاتحاد الأوروبي. قد يراقب الاتحاد الأوروبي عن كثب كيفية تأثير دور الصين في مصالحها الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة.

روسيا

- احتمال التنافس: ومع ذلك، يمكن أن تنشأ منافسة بين روسيا والصين على النفوذ في الشرق الأوسط. يعمل كلا البلدين على توسيع وجودهما ومصالحهما في المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ديناميكية دقيقة من التعاون والتنافس.

- المصالح المشتركة في استقرار الشرق الأوسط: قد تنظر روسيا إلى جهود الصين لبناء السلام بشكل إيجابي، نظراً لمصلحتها المشتركة في تحقيق الاستقرار في المنطقة، والحدّ من النفوذ الأميركي. يمكن أن ترى روسيا فرصة للتعاون مع الصين أو الاستفادة من الوضع لتعزيز أهدافها الدبلوماسية والاستراتيجية.

القوى الإقليمية

- إيران: قد ترى إيران في دور الصين ثقلاً موازناً محتملاً للنفوذ الغربي وفرصة لتعزيز العلاقات مع لاعب عالمي رئيسي. ومع ذلك، من المرجّح أن تظلّ منتبهة لتفاصيل أيّ اتفاقات وآثارها على مصالحها الاستراتيجية.

- الكيان الصهيوني: قد تردّ إسرائيل بتفاؤل أو شكّ حذر اعتماداً على تفاصيل وساطة الصين وتأثيرها المتصوّر في المصالح الإسرائيلية. وفي حين أنّ تل أبيب قد تكون منفتحة على سبل دبلوماسية جديدة، فمن المرجّح أن تدقّق في دور الصين لضمان عدم تأثيره سلباً على مخاوفها الأمنية والاستراتيجية.

- المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى: قد ترحّب دول الخليج، بعد أن انخرطت اقتصادياً مع الصين، بجهودها لبناء السلام لتحقيق التوازن بين ديناميكيات القوى الإقليمية، وتقليل الاعتماد على الحلفاء الغربيين التقليديين. وقد ينظرون إلى مشاركة الصين باعتبارها فرصة لتعزيز الاستقرار الإقليمي والآفاق الاقتصادية. ولا شك بأن دور سمو وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان خلال قمم مجموعة "البريكست" يوضح تقرّب الرياض بإتجاه كلٍّ من موسكو وبكين، ورغبتها بعالم متعدّد الأقطاب.

في نهاية المطاف، سوف تتشكّل ردود فعل القوى العالمية وفقاً لمصالحها الاستراتيجية، ومخاوفها بشأن الاستقرار الإقليمي، وتصوّراتها لنيات الصين وقدراتها. ومن المرجّح أن تنطوي الديناميكيات المتطوّرة على مزيج من التعاون والمنافسة والتكيف الاستراتيجي حيث تتعامل هذه الجهات الفاعلة مع الآثار المترتبة على دور الصين المتنامي في الشرق الأوسط، والأكيد أنّ جهدها مشكور عربياً إن تمّت المصالحة بين حماس وفتح عبر قوتها الناعمة.

*خبير في الشرق الأقصى والعلاقات الدولية



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة