دولي وعربي


الذكرى الثالثة للحرب في أوكرانيا: ما هي أهميتها بالنسبة للشرق الأوسط؟

الجمعه 28 شباط 2025 - 0:08

 

كتب (دميترو سينيك)

في 24 فبراير /شباط، 2022، شهد العالم الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا - وهو الحدث الذي لم يغير مصير أوروبا فحسب، بل والنظام العالمي أيضاً، وقد أدى إلى تقويض ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والثقة في المنظمات الدولية المسؤولة عن ضمان الأمن العالمي بشكل كارثي.

 صادف هذا الاسبوع مرور ثلاث سنوات على استمرار أوكرانيا في النضال من أجل استقلالها وسلامة أراضيها وسيادتها. 1096 يوماً من أكبر معركة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

ولكن روسيا لا تفهم إلا لغة القوة. ولذلك، فسوف يتعين على أوكرانيا والعالم كله ضمان السلام من خلال تقديم الدعم القوي لأولئك الذين يعارضون السياسات العدوانية الموسكوية.

خلال هذا الوقت، دمر الجيش الأوكراني أكثر من 10 آلاف دبابة روسية وأكثر من 21 ألف نوع مختلف من المركبات المدرعة وأكثر من 23 ألف قطعة مدفعية وتحول الأسطول الروسي في البحر الأسود الروسي إلى أسيطيل وهرب من شبه جزيرة القرم إلى نوفوروسيسك.

ويعكس هذا النضال العديد من المواجهات التاريخية للشعوب التي سعت إلى الدفاع عن حقها في الحرية ــ من الشرق الأوسط إلى آسيا وأفريقيا. لقد صمد الأوكرانيون في مواجهة عدو أقوى بكثير وأثبتوا: أنّ العدوان الإمبريالي ليس له مستقبل.

لقد تسبب العدوان الروسي على أوكرانيا في حدوث اضطرابات جيوسياسية خطيرة التي وصلت إلى ما هو أبعد من أوروبا وكان لها تأثير كبير على دول الشرق الأوسط. أولاً، أثرت الحرب على الأمن الغذائي. تعد أوكرانيا أحد الموردين الرئيسيين للحبوب والأسمدة إلى دول المنطقة. وقد أدت الهجمات الروسية على الموانئ الأوكرانية والبنية التحتية الزراعية إلى نقص في الإمدادات، مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العديد من البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا.

ومن بين التبعات المقلقة الأخرى تشكيل محور جيوسياسي خطير: روسيا - إيران - كوريا الشمالية. وتعتمد موسكو بشكل متزايد على التعاون مع الأنظمة التي تعمل على تقويض الأمن الإقليمي. إن تعاون مثل هذا "الثالوث" الإجرامي وتغذية موسكو للطموحات العدوانية لشركائها من شأنه أن يؤثر سلباً على الأمن الإقليمي من شرق آسيا إلى الشرق الأوسط.

خلال السنوات الثلاث من الحرب، ضعف نفوذ روسيا على الساحة العالمية بشكل كبير. وتسعى دول آسيا الوسطى والقوقاز إلى تقليص اعتمادها على موسكو. لقد أدت العقوبات والعزلة الدولية إلى جعل الشراكات الاقتصادية الروسية سامة. وبالنسبة لدول الشرق الأوسط، فإن هذه إشارة مهمة: التعاون مع روسيا لم يعد خياراً موثوقاً أو مستقراً.

وفي الوقت نفسه، أظهرت أوكرانيا أنّ الدعم الدولي والمقاومة الداخلية يمكن أن يردع حتى أحد أكبر المعتدين العسكريين في عصرنا. ويجب أن يكون هذا درساً للدول التي تسعى إلى حماية سيادتها واستقلالها. بالنسبة لدول العالم العربي التي شهدت صراعات ونضالات مماثلة من أجل السيادة في فترات مختلفة من التاريخ، فإنّ التجربة الأوكرانية تكتسب أهمية خاصة. إن تاريخنا المشترك في النضال من أجل الحرية يمكن أن يشكل الأساس لشراكتنا الأقوى في المستقبل.

لقد زاد التفهم والدعم لأوكرانيا من قبل الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر في السنوات الأخيرة. إن العالم العربي الذي يدرك التهديد المتمثل في زعزعة الاستقرار العالمي والإقليمي، فضلاً عن عواقب العدوان الإمبريالي الصريح على أمن الشرق الأوسط والعالم بأسره، يقدم لأوكرانيا المساعدات الإنسانية ويساعد في استعادة الطاقة والبنية التحتية ويشارك في جهود الوساطة ويؤكد على احترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

وكان للعدوان الروسي على أوكرانيا عواقب وخيمة وبعيدة المدى على الشرق الأوسط حيث اعتمدت المنطقة تاريخيا على الإمدادات الغذائية من أوكرانيا. وكانت أزمة الحبوب إحدى الضربات الأولى. قبل الغزو الشامل كانت أوكرانيا واحدة من أكبر مصدري الحبوب إلى دول الشرق الأوسط مثل مصر ولبنان وتركيا. أدى الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية في عام 2022 إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية مما أدى إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. على سبيل المثال، واجه لبنان الذي كان يستورد ما يصل إلى 80% من قمحه من أوكرانيا، أزمة غذائية خطيرة. وشهدت مصر، أحد أكبر مستوردي الحبوب في العالم، نقصاً في المعروض، مما أثر على أسعار الخبز. ولم يكن من الممكن استعادة الصادرات الغذائية الأوكرانية إلى الأسواق العالمية إلا بفضل الانتصار العسكري الذي حققته أوكرانيا في معركة استعادة السيطرة على المياه الإقليمية للبحر الأسود.

لقد أثبتت ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا قوة المقاومة الوطنية وأهمية التضامن الدولي. لكن هذا الصراع يتجاوز أوكرانيا وأوروبا. وهذا جزء من النضال العالمي من أجل مبادئ التعايش السلمي التي تعتبر مهمة لأي منطقة. لا يقاتل الأوكرانيون من أجل استقلالهم فحسب، بل أيضًا لضمان عدم تحول العدوان الإمبريالي إلى القاعدة في القرن الحادي والعشرين. وهذا النضال هو من أجل مبادئ التعايش السلمي التي هي عالمية في كل منطقة. وسوف تحدد نتائج هذا النضال مستقبلنا المشترك لعقود قادمة.

نقف على عتبة تحديات جديدة، ولكننا مؤمنون بالنصر والسلام العادل. للأسف فإن الذكرى الثالثة ليست النهاية بل هي مجرد مرحلة أخرى في النضال من أجل أوكرانيا حرة قوية وذات سيادة. هذه 1096 يومًا من النضال والخسائر والأمل. لقد أظهرت أوكرانيا قدرة غير عادية على الصمود. على الرغم من التوقعات الأولية بالانهيار والاحتلال السريع، لم تتمكن روسيا من تحقيق أهدافها وتدمير أوكرانيا كدولة. وعلى العكس من ذلك، أصبحت أوكرانيا مثالاً لكيفية قدرة أمة محبة للحرية على مقاومة الإمبراطورية إذا كانت لديها ثقة في نفسها ودعم العالم. نعم، الحرية لها ثمن وإن التضامن فعال، ولكن العدالة تحتاج إلى الوقت والجهد. إن هذه الحرب لم تنته بعد، ولكنها غيرت بالفعل مجرى التاريخ العالمي - سواء بالنسبة لأوكرانيا وبالنسبة للعالم. بالنسبة لدول الشرق الأوسط، تشكل هذه الحرب أهمية استراتيجية. وبعد كل هذا، فإذا سمح المجتمع الدولي للمعتدي بالانتصار، فسوف يفتح الباب أمام حروب عدوانية جديدة في مختلف أنحاء العالم. ولهذا السبب فإن مستقبل أوكرانيا هو أيضًا مستقبل الأمن والاستقرار والنظام العالمي العادل.

 

*سفير أوكرانيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة