دولي وعربي


إيران وإسرائيل... والإصلاح العابر للقارات

الثلاثاء 9 تموز 2024 - 0:09

كتب (عامر أرناؤوط)

شكّلت لحظة إعلان وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ثامن رؤساء إيران في عهد ثورة الخميني، الذي اعتلى السلطة عام 2021 خلفاً للرئيس السابق حسن روحاني، علامة فارقة لكن متكرّرة.

إذ إنه مع كلّ علامات الاستفهام، التي تدور حول ملابسات مقتله، إلا أنّ القيادة العميقة للجمهورية الإسلامية، المتمثلة بقبضة حكم المرشد علي خامنئي، أقدمت على هذا الفعل قبل الآن، لما أوهمت العالم أنّ انتصار الرئيس الأبرز إصلاحياً، محمد خاتمي، والمعتلي السلطة بأكثر من 83%، من أصوات الإيرانيين المسجلين عام 2001 ، حيث حقق غالبية ناهزت 90% منهم أنه انتصار للإصلاحيين، وخطوة نحو تغيير سلوك إيران، على المستويين الداخلي، والخارجي، ما ساعد على استقرار البنيان الإجتماعي، الإيراني، الداخلي، وزيادة تماسكه، وأكسب إيران انفتاحاً، على العالمين العربي، والغربي، أفاد منه الحاكم الفعلي خامنئي، وحرسه الثوري، في زرع بذور التفاهم، الإيراني الأميركي الأكبر، الذي مهّد لتعاون أثمر مساعدة إيرانية لأميركا في ضرب أفغانستان، ودخولاً كاملاً في المشهد العراقي، من خلال حرب الخليج الأولى، والثانية، التي أطاحت بالسدّ العربي الحصين، الأقوى المواجه للمشروع الإيراني الفارسي.

إضافة إلى تقبّل موضوعي لإيران، داخل المنظمات، والدول الأكثر حرصاً، على مناعة، وحصانة المجتمع العربي.

كلّ ذلك حمله خاتمي الموهوم، بأنه سيغير في المشهد الإيراني، فإذا به "حصان طروادة"، أريد منه فقط شرعنة الانفتاح على الغرب، والعرب، ما يساعد في التمدّد الإيراني الفارسي في المنطقة.

ولهذا فإن التطبيل لانتصار الرئيس الجديد، المحسوب إعلامياً على الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، ما هو إلا فصل جديد من الأداء الإيراني، للمرحلة المقبلة حيث الحاجة ملحة، لفتح القنوات مع الغرب، الذي يتحضر لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وانتهاء للحرب بين روسيا، وأوكرانيا، واستمرار لتسونامي التغيير السياسي، داخل الموزاييك الأوروبي.

بإزاء كلّ هذا المشهد، رحل الرئيس إبراهيم رئيسي، ليفوز بشكل دراماتيكي، وسلس، الرئيس بزشكيان في تكرار جديد لمشهد محمد خاتمي عام 2001.

ومن جهة أخرى، فإن بعض العرب، كان يراهن في السبعينيات، والثمانينيات، من القرن الماضي في الانتخابات الإسرائيلية، على صراع القطبين السياسيين الإسرائيليين، الليكود والعمل، في واحدة من أكثر المفارقات تعقيداً والأكثر شبهاً للواقع الإيراني اليوم.

فالبعض العربي، كان يراهن على حزب العمل، كفرصة للسلام في المنطقة، في حين أن كل الحروب والاحتلالات الإسرائيلية، تمّت خلال حكم حزب العمل الإسرائيلي.

كذلك الواقع في إيران اليوم، فإن حاجة مرشدها السيد علي خامنئي، ومن قبله الخميني، إلى تغيير قواعد اللعبة جعلهما ينهجان التالي:

استخدام الخميني لأبي الحسن بني صدر لنيل الشرعية الغربية، وفتح قنوات التعاون معهما، قبيل خلعه، واستبداله بعلي خامنئي.

- ليصل "أبو الإصلاحيين"  الشيخ هاشمي رفسنجاني، الذي يكفيه أنه أدخل الثورة، عبر حرسها الثوري في جسد الدولة، بعدما كانت جسماً غريباً، عن نسيجها معطياً بذلك، جرعة حياة طويلة الأمد لثورة الخميني، وجاعلاً انهيار الثورة فيها، انهياراً لإيران دوراً وسياسة، ومؤسسات.

- ليطل خاتمي بشرعيته الشعبية، مكرساً تفاهماً أميركياً غربياً، مع إيران مهد لحضورها في كل الساحات في تكرار لتحالف الأقليات في المنطقة، مع المنظومة الغربية.

- ليعيد الرئيس الحالي، المنتخب مسعود بزشكيان الكرة من جديد، في محاولة من المرشد الإيراني علي خامنئي، لتكريس نفوذه في المنطقة وانتزاع "الصفارة"، من الأميركي ليكون شرطيّ الخليج الأول، وبديلاً عن إسرائيل المنهكة في لعب دور الغدة السرطانية في جسد أمتنا العربية، والإسلامية.

كل ذلك، يجري أمام أنظار الحكام العرب، الذين لا حول لهم ولا قوة اللهم إلا بتكدّس ثرواتهم، التي سيبذلونها غداً عندما تستوي المعادلة السياسية، ويأخذ اللاعبون الكبار مقاعدهم، في رقعة الشطرنج الدولية والإقليمية.

ولعل استفاقة الرئيس رجب طيب أردوغان، على مصالحة النظام السوري، ما هي إلا في إطار قراءته للتغيير القادم، الذي يمكن أن يتشكّل في المنطقة، التي يعتبر فيها لاعباً كبيراً ، بطبيعة الحال لا يريد أن تكون التغييرات على حسابه وحجمه ودور يعيد ه.

من هنا، فإن القادم من الأيام، قد رسم قواعد التوازن في المنطقة، وفقاً لمبدأي التوازي المصيري الإلزامي، وتوزيع الجبنة على اللاعبين الأقوياء، الأكثر حضوراً ونفوذاً في المنطقة، وبكل تأكيد فإن إيران، وتركيا، والسعودية، ومصر، إضافة إلى الكيان الإسرائيلي هم الأكثر حضوراً في المنطقة، ما يجعل أيّ مراجعة للجغرافيا السياسية، تأخذ مصالحهم في عين الاعتبار، إضافة إلى التوازي المصيري الإلزامي، بين مصر، والسودان، ولبنان، وسوريا، وإيران، والعراق، في ثنائيات مصيرية تجعل من الصعب على أيّ تسوية سياسية المرور في أحد البلدين دون مراعاة مصالح وحضور البلد الموازي له.

إيران، القادمة على على استقبال رئيسها الجديد مسعود بزشكيان، يبقى أمامها تحدٍّ حقيقي هو انحسار المشاركة السياسية في الانتخابات، في ظاهرة مستمرة ومتدحرجة في الهبوط قد تجعل من الإرادة العميقة فيها مجرد أمنيات غير قابلة للتطبيق والظهور للواقع والحقيقة.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة