الجمعه 4 تشرين الأول 2024 - 0:02
خاص (أيوب)
على خلاف الهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، انتقاماً لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق لم تحذّر طهران مسبقاً عبر القنوات الدبلوماسية قبل إطلاق الهجوم الثاني مساء الثلاثاء الماضي، ووقع الهجوم الصاروخي أبكر مما توقعه بعض مسؤولي البنتاغون. واعتمدت إيران في هذا الهجوم بشكل كامل على الصواريخ الباليستية السريعة دون استخدام الطائرات بدون طيار بطيئة الحركة أو إطلاقها من قبل الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا واليمن، في محاولة واضحة لتجنب الكشف المبكر.
وفي تقرير مطوّل لموقع المونيتور، عن الهجوم الإيراني، والردّ الإسرائيلي المتوقع، وموقف إدارة بايدن من غزو لبنان، أنه قبل ساعات قليلة فقط من بدء القصف، أعلن البيت الأبيض عن تهديد وشيك بهجوم صاروخي إيراني، وذلك إثر التحقق بشكل مستقل من المعلومات الاستخبارية التي قدمها الإسرائيليون عبر القيادة المركزية الأميركية. وإثر وقوع الضربة الإيرانية، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي يوم الأربعاء: "لدينا القدرة على الوصول إلى كلّ موقع في الشرق الأوسط". وقد أثار ذلك مخاوف جديدة في المنطقة بشأن مدى استعداد إدارة بايدن للسماح للقادة الإسرائيليين بالمضي قدماً في الردّ، وما إذا كان بإمكان واشنطن إعاقة تحركهم بشكل واقعي في هذه المرحلة.
وبحسب مصدر دبلوماسي، إنّ "نتنياهو سيفعل ما يحتاجه لإعادة ضبط التوازن، فيما إيران أضعف مما كانت عليه في أيّ مرحلة من الصراع. ولن يضيعوا الإسرائيليون الفرصة. لكن إدارة بايدن لا تزال عازمة على تجنب حرب أوسع نطاقاً، وقد استبعدت مرة أخرى دعم أيّ ضربات إسرائيلية ضد أهداف استراتيجية إيرانية رئيسية. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين خارج البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي عندما سئل عما إذا كانت واشنطن ستدعم هجوماً إسرائيلياً على المنشآت النووية الإيرانية، قال: "الجواب هو لا". كما طالب حلفاء إسرائيل بأن يكون الردّ متناسباً.
وأحدث إشارة صدرت من البيت الأبيض هي كما يلي: مع وجود حزب الله - جوهرة تاج استراتيجية الردع لطهران - في موقف دفاعي، لا ينبغي لإسرائيل توسيع الفجوة من خلال تهديد المصالح الاستراتيجية الأساسية للجمهورية الإسلامية.
وفي مكالمات خاصة ليلة الثلاثاء الماضي، حثّ المسؤولون الأميركيون القادة الإسرائيليين على عدم ضرب هدف إيراني رئيسي آخر – منشآتها النفطية في جزيرة خرج – خوفاً من الانتقام المتبادل ضدّ البنية التحتية النفطية في القوقاز، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي عدد من المناسبات طوال الصراع الحالي، أظهرت القيادة الإسرائيلية ضبط النفس عندما ضغطت عليها واشنطن، بما في ذلك إلغاء الطلعات الجوية الإسرائيلية السابقة التي كانت جاهزة لاغتيال نصر الله في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حسبما أفاد موقع المونيتور. لكن القادة الإسرائيليين تجاوزوا مراراً وتكراراً الخطوط الحمراء لبايدن، وأطلقوا العنان لدمار واسع النطاق في رفح، وفاجأوا البنتاغون باغتيالات متكررة لكبار المسؤولين المرتبطين بإيران، ومؤخراً، غزو جنوب لبنان.
معسكر الحرب
وذكرت صحيفة بوليتيكو لأول مرة هذا الأسبوع أنّ اثنين من الشخصيات البارزة التي تقود نهج بايدن تجاه الحرب، وهما منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك والمبعوث الخاص عاموس هوكستاين، قد توصلا مؤخراً إلى دعم التصعيد الإسرائيلي في لبنان على أمل أن يؤدي ذلك إلى تخفيف شروط حزب الله بشأن إنهاء الصراع في غزة قبل وقف هجماتها على إسرائيل.
وأكد مسؤولان رفيعا المستوى، أحدهما في الولايات المتحدة والآخر مسؤول إقليمي للمونيتور أن كلاً من ماكغورك وهوكستاين وصفا التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في الأسابيع الأخيرة بأنه فرصة استراتيجية لإعادة ضبط رقعة الشطرنج لمصلحة إسرائيل.
ومع ذلك، فمن المفارقة أنّ مسؤولي إدارة بايدن يواصلون القول إنهم يدعمون الحلّ الدبلوماسي للحرب في لبنان، بينما يلمحون أيضاً إلى المخاوف بشأن "توسع الصراع". وثمة سابقة تاريخية، يمكن رؤيتها في تدحرج الغزو الإسرائيلي عام 1982 إلى احتلال بيروت.
وفي اجتماع عقد مؤخراً مع هوكستاين، أثار دبلوماسي إقليمي قلقه من نشر الجيش الإسرائيلي لفرقة المظليين 98 - التي قادت المعارك الحضرية الأكثر كثافة في غزة - بالقرب من الحدود اللبنانية كسبب للقلق من أنّ نتنياهو لا يلتزم بتحذيرات واشنطن. ورداً على ذلك، قال المبعوث الأميركي إنه لن يشعر بالقلق إلا عندما ينشر الجيش الإسرائيلي الفرقة 98 في لبنان، وليس فقط بالقرب من الحدود، حسبما أفاد مصدر مطلع على هذه المحادثة.
أما آرون ديفيد ميلر، المستشار السابق في عهد كلينتون لمحادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، والذي يعمل الآن زميلاً بارزاً في مؤسسة كارنيجي للسلام في الشرق الأوسط، فقد اعتبر أنه "من الواضح أنّ الإدارة قد استسلمت للواقع".
وكما يرى ميلر، فإن عجز بايدن عن كبح جماح القادة الإسرائيليين هو جزء من معضلة أوسع في الشؤون الدولية. وأوضح أن "القوى الصغيرة مثل إسرائيل تتصرف بطرق قد تكون القوى الكبرى قادرة على التأثير فيها، لكنها عادة لا تستطيع ذلك عندما تكون المخاطر عليها في الواقع وجودية، أو شبه وجودية - سواء سياسياً أو عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي".
القتال وحده لا يكفي
ومع ذلك، أعرب ميلر وغيره من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين عن شكوكهم في قدرة إسرائيل على تحقيق العودة الآمنة لمواطنيها إلى الشمال من خلال القوة العسكرية وحدها. وقال مصدر دبلوماسي إقليمي آخر: "لا يمكن طرد حزب الله من جنوب لبنان. إنه متجذر وسط سكان جنوب لبنان".
وقال ميلر إنه من المرجح أن يواصل الإسرائيليون قصف مواقع حزب الله حتى نهر الليطاني وما بعده لعدة أشهر، محذراً من أنّ القادة الإسرائيليين يطبقون نفس المنطق الذي فشل في قطاع غزة، وأنه لا يزال أمام الإسرائيليين فعل الكثير، ولكن في نهاية المطاف ستكون هناك حاجة إلى الدبلوماسية لتسوية الوضع الهدف".
إنّ توسيع تفويض اليونيفيل لتفعيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 سوف يتطلب تفويضاً جديداً في مجلس الأمن. وحتى لو لم يتم اعتراض ذلك من قبل روسيا أو الصين، فإنه سيتطلب على الأقل أولاً إجراء انتخابات رئاسية ناجحة في لبنان، حيث يمكن أن يؤدي التنافس على السلطة وسط الجمود السياسي الحالي إلى صراع مدمر.
تغيرموقف البنتاغون
وتغير الموقف الحذر للبنتاغون امنذ أن سلم المسؤولون الإسرائيليون معلومات استخباراتية تم الاستيلاء عليها يُزعم أنها تكشف عن خطط حربية لحزب الله. وفي مكالمة هاتفية يوم الاثنين الماضي، اتفق وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على "ضرورة تفكيك البنية التحتية للهجوم على طول الحدود لضمان عدم قدرة حزب الله اللبناني على شنّ هجمات على غرار هجوم 7 أكتوبر على المستوطنات الشمالية في إسرائيل" بحسب قراءات البنتاغون.
ومع ذلك، يقول الخبراء إنّ واشنطن يجب أن تنظر أيضاً إلى مصدر قلق أكبر على المدى الأطول مع اغتنام قادة إسرائيل زمام المبادرة. وإذا تمكنت إسرائيل من اجتثاث قدرات حزب الله الهجومية، فقد تتمكن من شلّ إحدى ركيزتي الردع الاستراتيجي الإيراني، أي حزب الله، فلا يبقى من خيار أمام طهران سوى تخصيب اليورانيوم، وإنتاج قنبلتها النووية".
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط