دولي وعربي


"أسطول الظل" الروسي ومخاطره

الثلاثاء 4 شباط 2025 - 0:12

كتب (محمد البابا)

لا يزال النفط الروسي يصل إلى وجهاته بعد مرور أكثر من عامين على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، رغم العقوبات الغربية الواسعة على موسكو اهمهاالعقوبات الاقتصادية التي تستهدف قطاع النفط خصوصاً، باستخدام ناقلات نفط مستعملة اشترتها شركات الشحن الروسية لإيصال النفط الروسي إلى الدول التي لا تفرض حظراً على هذا النفط مثل الصين أو الهند.

وبحسب تقرير لوزارة الخزانة الأميركية صدر في عام 2020، فيتبع  ناقلات "أسطول الظل" اسلوب الالتفاف والتمويه عبر تغيير الأعلام التي تحملها، وإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال حتى لا يتم تتبعها، أو حتى إرسال إشارات خادعة، إضافة للقيام بتبادل النفط في البحر. وتقوم هذه الناقلات بتغيير اسم السفينة، كما تعمد إلى استخدام أسماء شركات وهمية، أو تزوير المستندات لإخفاء ملكية الناقلة التي تُبحر عادة من دون أي تأمين حقيقي عليها، حيث تهدف من خلال كل هذه الترتيبات إلى البقاء بعيداً عن متناول هيئات إنفاذ القانون البحري.

أفادت شركة "ويندوارد" للذكاء الاصطناعي البحري أنه في أواخر سنة 2023 تكوّن "أسطول الظل" الروسي من نحو حوالي 1800 سفينة، وهو ما يعادل خُمس تجارة النفط العالمية، وتدرس الولايات المتحدة وحلفاء لها فرض عقوبات إضافية، ويمكن أن تتحرك بشكل أكبر لزيادة تكلفة استخدام روسيا لـ"أسطول الظل" من الناقلات للتهرب من سقف حددته "مجموعة الدول السبع" لسعر النفط الروسي.

أنشأت الولايات المتحدة تحالفاً من الدول لوضع سقف سعري تعهد بعدم شراء الخام الروسي بأكثر من 60 دولاراً للبرميل، كما منعت تلك الدول شركات الشحن والتأمين التابعة لها (وهي الجهات الفاعلة الرئيسية في الشحن العالمي) من تسهيل تجارة الخام الروسي فوق هذا السقف.

ان طرق التفاف روسيا على العقوبات الغربية عززت أعمال عشرات التجار وشركات الشحن التي يصعب تعقبها، في وقت يبلغ ما يتقاضونه بوصفهم ناقلين بالظل ما يزيد عن 11 مليار دولار سنوياً من عائدات موسكو من النفط.

رغم أن الغرض الأساسي لهذا الأسطول هو دعم صادرات النفط الروسية، أصبحت السفن التابعة له بشكل متزايد محل اشتباه في التعرض للبنية التحتية تحت البحر. فمنذ أشهر عدة تزايدت مخاطر ما يعرف بـ "أسطول الظل الروسي"، وهو عبارة عن مجموعة من الناقلات القديمة لنقل النفط الخام الروسي سراً حول العالم.

إن استخدام أسطول الظل في عمليات التخريب يوفر لروسيا عدة مزايا، أبرزها إمكانية التنصل من المسؤولية، إذ تجعل الهياكل الغامضة المتعلقة بالملكية والإدارة وتسجيل السفن من الصعب تتبع السيطرة على السفينة وصولاً إلى روسيا. على سبيل المثال، تُدار ناقلة النفط "إيجل إس" من قبل شركة مقرها الإمارات العربية المتحدة، وتُشغلها شركة هندية، ومسجلة تحت علم جزر كوك.

يسمح هذا التعقيد لروسيا بادعاء الجهل، كما ظهر في تأكيدها أن مصادرة فنلندا للسفينة "إيجل إس" ليست مسؤوليتها حيث احتجزت السلطات الفنلندية ناقلة النفط إيجل إس، كانت ترفع علم جزر كوك، يعتقد أن مرساتها قد تسببت في إتلاف الكابل.

وبحسب الاتحاد الأوروبي، قد تكون السفينة جزءاً مما يعرف بـ"أسطول الظل" الروسي - وهو مجموعة من الناقلات وسفن الشحن الأخرى التي تستخدمها روسيا بشكل غير رسمي لتجنب العقوبات المفروضة على نقل النفط.

إلا أن دخول هذا الأسطول على خط مهمات إضافية كتخريب كابلات الطاقة، أثار قلق الأوروبيين، فقد حذر الاتحاد الأوروبي سابقاً من هذا الأسطول، وتعهد باتخاذ إجراءات أقوى عقب الاشتباه في تخريب كابل طاقة تحت الماء قبالة سواحل فنلندا.

وقالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد خلال مقابلة مع صحيفة دي فيلت الألمانية: "سيتخذ التكتل إجراءات أقوى لمواجهة المخاطر التي تشكلها هذه السفن".

كما شددت على أن هذا الأسطول يهدد البيئة ويمول ميزانية الحرب الروسية، مشيرة إلى أن هذه السفن يشتبه في تورطها في أعمال تخريب.

إلى ذلك، أشارت رئيسة وزراء إستونيا السابقة، إلى أن عمليات التخريب في أوروبا زادت منذ أن بدأت روسيا حربها ضد أوكرانيا في فبراير- شباط 2022. وأضافت: "محاولات التخريب الأخيرة في بحر البلطيق ليست حوادث منعزلة، بل تشكل نمطاً متعمداً يستهدف الإضرار بالبنية التحتية الرقمية والطاقة لدينا".

وكانت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك قد أثارت بدورها مخاوف بشأن "أسطول الظل هذا"، ودعت إلى فرض المزيد من العقوبات الأوروبية.

كما اعتبرت أن "هذا الأسطول المتهالك يشكل تهديداً خطيراً للبيئة والأمن الأوروبيين. وقالت: "يتسبب السفن حالياً في إتلاف الكابلات البحرية المهمة في بحر البلطيق كل شهر تقريباً".

تلك التصريحات أتت بعدما تعرض كابل الطاقة البحري إستلينك 2 بين إستونيا وفنلندا للتلف، فيما يشتبه المسؤولون الفنلنديون بأنه قد يكون عملاً تخريبياً.

وفي أعقاب الحادث، احتجزت السلطات الفنلندية ناقلة النفط إيجل إس، التي ترفع علم جزر كوك، ويعتقد أن مرساتها قد تسببت في إتلاف الكابل.

وبحسب الاتحاد الأوروبي، قد تكون السفينة جزءاً مما يعرف بـ"أسطول الظل" الروسي - وهو مجموعة من الناقلات وسفن الشحن الأخرى التي تستخدمها روسيا بشكل غير رسمي لتجنب العقوبات المفروضة على نقل النفط.

يمثل حجم أسطول الظل امتداداً فعالاً للقدرات البحرية والاستخباراتية لروسيا. ورغم افتقار هذه السفن إلى وظائف القتال التقليدي، فهي مناسبة تماماً لتكتيكات المنطقة الرمادية والتهديدات الهجينة. وبفضل عملها تحت ستار الأنشطة التجارية وحمايتها بالقانون البحري الدولي، يمكن لسفن أسطول الظل التنقل في المياه الدولية دون أن تُلاحظ إلى حد كبير. وعلى عكس السفن البحرية أو البحثية الروسية، التي تخضع لمراقبة دقيقة، فإن تتبع السفن التجارية يُعتبر أكثر صعوبة.

يمكن القول إن تجنيد سفن أسطول الظل لأغراض التخريب يُعد أمراً بسيطاً نسبياً، حيث إنها تخضع بالفعل لنوع من السيطرة الحكومية الروسية. ويتطلب إقناع طاقم السفينة بسحب المرساة وإلحاق الضرر بالبنية التحتية تحت البحر جهداً ضئيلاً. علاوة على ذلك، لهذه الأفعال تداعيات نفسية. فبالرغم من أن عدداً قليلاً من السفن يُشتبه حالياً في تورطها في التخريب، يمتد الشك ليشمل الأسطول بأكمله. ويعزز هذا التهديد الضمني، المتمثل في قدرة روسيا على تنفيذ عمليات تخريب واسعة النطاق، التأثير الاستراتيجي للأسطول.

وإلى جانب التخريب الصريح، تنخرط سفن أسطول الظل في أنشطة أخرى. على سبيل المثال، ربما كانت ناقلة "إيجل إس" تحمل أنظمة استخبارات إشارات، وفقاً لتقرير صادر عن "لويدز ليست".وقبل ذلك، قامت السفينة بنشر "أجهزة من نوع المستشعرات" في القناة الإنجليزية، مما يُبرز بشكل أكبر القدرات الهجينة لهذا الأسطول.

ويعتبر فرض العقوبات على السفن جزءاً من الحل لمواجهة تهديد أسطول الظل، لكنه يظل محدود الفعالية. وتتطلب العقوبات تحديداً دقيقاً لسفن أسطول الظل. وتعقيد هذا الأسطول يعوق رسم خريطة شاملة له،حيث فرضت المملكة المتحدة مؤخراً عقوبات على عشرين سفينة فقط، وهو جزء صغير من أسطول يتجاوز ألف سفينة. ولم تكن السفينة "إيجل إس"، المتورطة في حادثة فنلندا-إستونيا، مدرجة في قائمة الاتحاد الأوروبي التي تضم تسعة وسبعين سفينة خاضعة للعقوبات.

وتشكل الحماية البحرية المعززة جزءا آخر من الاستجابة، لكنها تتطلب موارد كبيرة، ولا يمكنها ضمان الأمن الكامل. وتعدّ مراقبة السفن المشبوهة أمراً حيوياً لإزالة إمكانية التنصل الروسي. لكن الحماية الاستباقية لكافة البنية التحتية تحت البحر غير عملية؛ فموارد خفر السواحل والقوات البحرية مُستنزفة بالفعل، وتحويلها عن مهام أخرى ضرورية قد يكون في مصلحة خصوم مثل روسيا.

ويتمثل النهج الأكثر نجاحاً في استهداف السفينة وطاقمها. ويتطلب إلحاق الضرر بالبنية التحتية تحت البحر قرارات نشطة من الطاقم. ويمكن للتحقيقات تحديد ما إذا كان هناك إهمال أو نية متعمدة. وقد يُسهم احتجاز السفن والطاقم المشتبه بهما بشكل استباقي، بجانب تدابير ردع واضحة، في تقليص فرص حدوث التخريب.

وتظهر الحوادث الأخيرة فعالية هذه الاستراتيجية، حيث قامت القوات الخاصة الفنلندية باعتلاء السفينة "إيجل إس"، ووجهتها إلى المياه الفنلندية، واحتجزت طاقمها. وبعد بضعة أيام، رفضت فنلندا منح السفينة إذناً للعمل بعد أن أظهرت الفحوصات الفنية وجود مشاكل كبيرة في السلامة.

إن النهج القوي في مصادرة واحتجاز السفن قد يردع المزيد من عمليات التخريب، إلا أنه ينطوي على مخاطر، إذ توجد عمليات أسطول الظل في مناطق رمادية قانونية، مما يجعل الاعتقالات والمصادرات معقدة من الناحية القانونية. ويجب على الدول الغربية احترام القانون البحري للحفاظ على مصداقيتها الدولية. وقد تؤدي الإجراءات المشكوك فيها إلى تقويض هذا المبدأ. وقد تؤدي ردود الفعل من الدول المعادية، بما في ذلك مصادرة السفن الشرعية بناء على مزاعم كاذبة، إلى تعطيل التجارة الدولية، وهو أمر حيوي لاقتصادات الدول الغربية.

التصدي لتهديد أسطول الظل يتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد، توازن بين العقوبات والحماية البحرية والردع المباشر مع الحفاظ على القانون الدولي. وبدون هذه التدابير، سيستمر الخطر الذي يهدد البنية التحتية الحيوية تحت البحر في أوروبا في التزايد.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة