
الاثنين 10 آذار 2025 - 0:00
خاص (أيوب)
خيط رفيع يفصل بين تبشير علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي بنشوب حرب أهلية في أي لحظة قبيل هجوم عصابات النظام السابق على مراكز عسكرية وأمنية واستشفائية في الساحل السوري، وقتلهم المئات من المدنيين والعسكريين خلال ساعات، وابتهاج وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بما حدث من اقتتال فيه خلال الأيام المنصرمة، مؤكداً على أن أحمد الشرع كشف قناعه، فظهر وجهه الحقيقي. هو خيط رفيع، لكنه يكشف الاتفاق الضمني بين إيران وإسرائيل على سوريا. وإذا كان التمرد العلوي في الساحل من النتائج المباشرة للتحريض الإيراني على النظام الجديد، فإن من نتائج التحريض الإسرائيلي المستمر على الإدارة السورية الجديدة في عواصم القرار في الغرب، تصلب مواقف المكونات غير العربية وغير السنية، ورفضها التحاور بإيجابية مع دمشق. وجاء أخيراً، تصريح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، بشأن الاقتتال في الساحل، ليكشف ما هو معروف أصلاً، فالبيان الأميركي هو نموذج فقط لما تتفق عليه دول الغرب، ومفاده أمران: حماية الأقليات في سوريا، وتحميل القيادة السورية الجديدة مسؤولية حمايتهم. فلا أحد يعبأ بالأكثرية السنية، ولا اهتمام مثلاً بتشكيل لجان تحقيق دولية للنظر في المقابر الجماعية التي يُعثر عليها كل يوم، ولا النظر في مصائر المفقودين في سجون الأسد وميليشياته، على غرار ما تحصّل عليه البوسنيون المسلمون عقب انتهاء الحرب في يوغوسلافيا السابقة عام 1995، فضلاً عن المطالبة بمحاكمة علنية للرئيس الفار بشار الأسد وكبار المجرمين، وتحقيق العدالة الانتقالية.
روبيو قال في بيانه أمس الأحد: "يجب على السلطات الانتقالية في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر بحق أقليات في سوريا". وأدان قتل المدنيين في سوريا، معبراً عن وقوف الولايات المتحدة مع الأقليات الدينية والعرقية في سوريا.
من جهته، سارع الرئيس الشرع، إلى المصارحة والمكاشفة، معلناً عن تشكيلِ لجنةٍ لتقصي الحقائقِ للنظرِ والتحقيقِ في أحداثِ الساحل، وتقديمِ المتورطينَ إلى العدالة، وكشفِ الحقائقِ أمامَ الشعبِ السوري، ليعلمَ الجميعُ مَنِ المسؤولُ عن هذهِ الفتنِ والمخططات.مع تشكيلِ لجنةٍ عليا للحفاظِ على السلمِ الأهليّ، وستكونُ مكلفةً من قبلِ رئاسةِ الجمهوريةِ بالتواصلِ المباشرِ معَ الأهالي في الساحلِ السوريّ. وقال: علينا أن نعترف بالحقائق أن النظام الساقط خلّف جراحات عميقة أثناء فترة حكمه، فرع فلسطين وصيدنايا والأفرع الأمنية والاغتصاب والكيماوي والتهجير وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، كل ذلك ترك جراحاً من الصعوبة بمكان أن تندمل، وكان من نتائجها ما حدث بالأمس رغم سعي الدولة من اللحظة الأولى للانتصار من منع وقوع ذلك.
واعتبر أن الهجوم على القوى الأمنية المكلفة بحفظ الأهالي كسر "الجدار الذي يحافظ على السلم الأهلي مما أدى لوقوع تجاوزات وعمت بعض الفوضى التي شاهدناها جميعاً".
وشدد على محاسبة الفلول كما كلَّ مَن تورطَ في دماءِ المدنيينَ أو أساءَ، ومَن تجاوزَ صلاحياتِ الدولةِ أو استغلَّ السلطةَ لتحقيقِ مآربهِ الخاصة، "فلن يكونَ هناكَ أيُّ شخصٍ فوقَ القانون، وكلُّ من تلوثتْ يداهُ بدماءِ السوريين، سيواجهُ العدالةَ عاجلاً غيرَ آجل".
لكن هل يعني هذا أن الانقلاب قد فشل؟
أولاً، تؤكد الوقائع أن التمرد وإن وُجهت له ضربات سريعة وقوية، لكنه ما زال موجوداً في التضاريس الصعبة وفي بيئته الحاضنة كحرب عصابات نشطة، تنتقل من مكان إلى آخر. ولا يمكن إغفال خطره. فالتمويل موجود، والحلفاء الداخليون موجودون لا سيما قسد شرق الفرات. والحلفاء الخارجيون موجودون كذلك، وهم الدول التي تستضيف فلول النظام، وتعينهم على التحشيد والتدريب والتخطيط، والتي تحرضهم على عدم الاستسلام للأمر الواقع الجديد.
ثانياً، استطاع التمرد العنيف استدراج رد عنيف من الجموع الشعبية السنية الغاضبة على مجازر الأمس خلال الثورة، وعلى قتل أبنائهم في الساحل أخيراً. وأطلق أعوان المتمردين حملة إعلامية وسياسية منظمة، في وسائل التواصل وفي المواقع، وفي دوائر التأثير، طلباً للحماية الدولية، من "الإرهاب السني" في محاولة مكشوفة لاستئناف السردية المشروخة للنظام البائد، والتي انتهت منذ ثلاثة أشهر بسقوطه مع سرديته الزائفة.
ثالثاً، فإن لم ينجح التمرد عسكرياً في الداخل ولا إعلامياً ولا سياسياً في الخارج، فعلى الأقل، إثارة الشبهات في قدرة الرئيس الشرع على إدارة المرحلة الانتقالية. وبرزت أصوات من هذا القبيل، تحمّله مسؤولية التساهل مع الأقليات لا سيما العلويين، وممن هم من السلك العسكري والأمني. فإن لم ينجحوا في إسقاط الإدارة الجديدة، يكفيهم التخلص من القائد الشرع، الذي برز بوصفه الأقدر والأكفأ، صاحب الصوت المسموع لدى الثوار. وعليه، يمكن اعتبار الاستفزاز المقصود، بقتل العسكريين والمدنيين في الساحل، محاولة لزرع الشك في قدرة الشرع على ضبط الأمور، وردع أتباعه. وإذ ذاك، يفقد مبرر وجوده على رأس السلطة.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط