
الأربعاء 12 آذار 2025 - 0:00
خاص (أيوب)
ما كشفه موقع أكسيوس الأميركي يوم الأربعاء الماضي (5 آذار)عن فتح قناة حوار مباشر بين المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الرهائن آدم بوهلر (وهو يهودي) ومسؤولين من حركة حماس، لترتيب صفقة تبادل مستقلة تقضي بالإفراج عن أسير إسرائيلي يحمل الجنسية الأميركية فضلاً عن أربعة جثث لإسرائيليين أميركيين مقابل عدد محدد من الأسرى الفلسطينيين، مع إمكانية الاتفاق على هدنة طويلة المدى، لم يكن مفاجئاً لحكومة إسرائيل، لأنها هي التي سرّبت الخبر عن طريق الكاتب الإسرائيلي في الموقع باراك رافيد، لإجهاض محاولة ملتوية من جانب الرئيس الأميركي ترامب لفتح ثغرة أمام الانسداد التفاوضي بين حماس وإسرائيل مع انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة في 1 آذار الجاري. فنتنياهو أقفل المعابر أمام تدفق المساعدات إلى غزة، وقطع الكهرباء عنها، للضغط على حماس كما يقول. والواقع أن المفاوضات المفترضة للمرحلة الثانية تشتمل على بحث إجراءات اليوم التالي بعد إتمام عمليات تبادل الأسرى، فيما يرفض نتنياهو بقاء حماس في القطاع، بل يريد تطبيق رؤية ترامب بتهجير الفلسطينيين "طوعياً". ولتسهيل ذلك، لا بد من جعل القطاع غير قابل للحياة بأي شكل.
ودافع آدم بوهلر يوم الأحد الماضي (9 آذار)، في سلسلة من المقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية عن محادثاته المباشرة مع مسؤولين في حركة حماس، للردّ على انتقادات شديدة وإن كانت قد وُجهت إليه وراء أبواب مغلقة في إسرائيل. وأكثر ما أزعج المسؤولين الإسرائيليين قول بوهلر: "إن الولايات المتحدة ليست وكيلة لإسرائيل".
وأخطر ما كشفه بوهلر للقناة 12 الإسرائيلية أن حماس "اقترحت تبادل جميع الأسرى… وهدنة من خمس إلى عشر سنوات تُلقي فيها حماس جميع الأسلحة وبحيث تضمن الولايات المتحدة، وكذلك دول أخرى، عدم وجود أنفاق، وعدم اتخاذ أي شيء في الجانب العسكري، وعدم مشاركة حماس في السياسة في المستقبل"، ووصفه بوهلر بأنه "اقتراح أولي غير سيء".
هذه القناة الحوارية الجانبية بين ترامب الذي أيد تحرك بوهلر في البداية، وحركة حماس، جرت وقائعها بالتوازي مع جهود قطر ومصر بين حماس وإسرائيل. لذا، حين سئل بوهلر من القناة 12 عن اقتراح الوسطاء العرب لتوسيع مهلة وقف إطلاق النار في غزة لمدة شهرين مقابل الإفراج عن 10 رهائن إسرائيليين أحياء، رفض تأكيد أي شيء، لكنه قال "إنه حل ممكن".
وقد خالفت المباحثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس سياسة تنتهجها واشنطن منذ عقود، وهي تمنع التفاوض مع الجماعات التي تصنفها بأنها منظمات إرهابية، ومنها تصنيف حماس على هذا النحو منذ عام 1997.
التدخل الإسرائيلي المباشر والخشن لوقف هذا الحوار الجانبي، جعل إدارة ترامب تتراجع تدريجياً عن هذا المسار، بعدما كان حظي بدعم الرئيس ترامب وكذلك مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. حتى بوهلر نفسه الذي كان قد وصف قادة حماس بأنهم لطفاء، عاد وكتب على منصة "أكس": "حماس منظمة إرهابية قتلت آلاف الأبرياء. إنهم بحكم التعريف أشخاص سيئون". فيما عرض ترامب على حماس خياراً من أمرين: إما إطلاق سراح جميع الرهائن والاستسلام، أو أن يتم تدميرها. هذا هو الطريق الوحيد لإنهاء الحرب".
هذا الارتباك الظاهري في إدارة ترامب، بين دعوة ترامب إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع واستيلاء أميركا عليه وجعله منتجعاً سياحياً، ثم الانتقال إلى الطرف النقيض تماماً من خلال رعاية حوار مباشر مع حركة حماس، من أجل هدف أعلى، وهو تجنب العودة إلى الحرب، بمقابل نزع سلاح حماس، وخروجها من المشهد السياسي، لهو مما يدل على أسلوب ترامب في التفاوض، يذهب إلى الأقصى كي يحصل على الأدنى، الذي كان قبل هذه المقامرة غير مقبول من الطرف الأضعف. هذا ما قام به في غزة، ويقوم به مع أوكرانيا. فبينما مارس ترامب وفريق عمله إذلالاً مقصوداً على الرئيس الأوكراني زيلينسكي في البيت الأبيض أمام شاشات الإعلام الرئيسي في الولايات المتحدة، وكانت تلك صدمة غير مسبوقة في أوروبا وأنحاء العالم، إذا به يقترب من عقد هدنة بين روسيا وأوكرانيا، لمدة شهر قابلة للتجدد، وهو مقترح أميركي، يهدف إلى بدء مفاوضات بين موسكو وكييف. وفي الأثناء وقف الحرب لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وبالمثل، كان هذا هو الهدف الأمثل من رفع السقف في غزة إلى حدّ استهجنه حلفاء الولايات المتحدة في العالم، لكنه في الحدّ الأدنى، يريد تحقيق ما تريده إسرائيل منذ البداية، أي تجريد غزة من الأنفاق ومن السلاح، ومن حركة حماس. الغريب في الأمر أن إسرائيل لا تريد إلا "الترانفسير"؛ تهجير الفلسطينيين من كل بقعة من بقاع فلسطين، وليس قطاع غزة فقط. وهذا ما يعقد رغبة ترامب، في أن يكون صانع سلام.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط