الأربعاء 16 تشرين الأول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
الظهور الثالث لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أمس الثلاثاء، كان تأكيداً لمضمون الخطابين السابقين، منذ اغتيال السيد حسن نصر الله، مع إضافات نوعية في الشكل والمضمون. في الشكل، بدت صورة قاسم أكثر ثقةً بالنفس، وأكثر اعتياداً على غياب "القائد المُلهَم"، مع أنه يستعين به، بصورته وكلماته ووعوده وخططه، للتأثير في الجمهور، وسيستمرّ على هذا المنوال. وعلى الرغم من أنّ الجمهور العام، لا سيما الجمهور الشيعي المؤيد للحزب، كان مأخوذاً بالشخصية "الكاريزماتية" أو الجذّابة لنصر الله، ولا بدّ أنه لم يعتد بعد على الشخصية الهادئة لنعيم قاسم، إلا أنه بعد ثلاثة ظهورات، بدأت تتمظهر الصورة الجديدة، وتتوغّل تدريجياً في وعي الناس، في سياق صياغة السردية الراهنة، كامتداد للسردية القديمة، ولتصبح أكثر واقعية، وباعتبار أنّ المخاطر والتحدّيات هائلة كما لم يشهده مؤسسو الحزب من قبل، أو من بقي منهم، في حملة تصفية شاملة، جسدياً، وسياسياً، وأمنياً، وعسكرياً.
معالم الحرب
أما في المضمون، فقد كان قاسم في خطابه الثالث أكثر وضوحاً في رسم معالم الحرب، وأهدافها، وتكتيكاتها، وفي تظهير وضع الحزب، وهيكليته القيادية، وانضباطه التنظيمي، وقدراته القتالية. فبعد تكهنات عن توجه الحزب بعد اغتيال نصر الله، إلى فصل لبنان عن غزة، تضمن الخطاب مطالعة في عدم إمكانية الفصل، لا بين لبنان وفلسطين، ولا بين المنطقة وفلسطين، بسبب الخطر التوسعي لإسرائيل، الذي لا يستثني لبنان من أطماعه؛ مع أنّ قاسم اعتبر أنّ طبيعة المعركة أو الحرب، قد تبدّلت منذ تفجير آلاف أجهزة النداء بأيدي أفراد الحزب في 17 أيلول الماضي، فتحوّلت المعركة من معركة إسناد غزة، إلى مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي تهدف ليس فقط إلى تصفية المقاومة، بل أيضاً شعب المقاومة. لقد حدّد طبيعة الحرب، فهي حرب وجودية بالنسبة لحزب الله، لأن المطلوب إسرائيلياً وأميركياً شطبه من المعادلة اللبنانية. وهي حرب ذات أهداف سياسية بالغة الأهمية؛ إذ تهدف إلى ضمّ لبنان إلى الدائرة الإسرائيلية-الأميركية، عبر الشروط المتصاعدة من انسحاب الحزب مسافة كيلومترات عن الشريط الشائك، وتطبيق القرار 1701 بشكل كامل، إلى تهجير سكّان القرى الحدودية إلى شمال الليطاني، بل إلى شمال الأولي، بحجة تفكيك خلايا الحزب، وإلى التلويح أخيراً بجعل القرى الحدودية خالية من السلاح ومن السكّان أيضاً، ليس فقط أفراد الحزب وعائلاتهم وأقاربهم، وإلى إعادة تكوين السلطة في لبنان بعيداً عن نفوذ الحزب. هذا يكفي للتوقف عن الربط العلني بين وقف إطلاق النار بوقفه في غزة؛ إذ إنّ مجرد تبدّل وجه المعركة لتصبح حرب إلغاء للحزب، وإضعاف للشيعة، وتغيير موازين القوى في لبنان، بل التغيير الديمغرافي فيه، لمما ينسف القواعد والخطوط والآمال بوقف إطلاق النار كما كان يجري في الجولات السابقة. فيما الواقع، أنّ نتنياهو لا يريد وقف إطلاق النار لا في غزة ولا في لبنان، مهما طال الزمان، إلا إن أُجبر على ذلك.
نصر الله حيٌّ في الحزب
ما كان لافتاً في خطاب قاسم كما في خطابيه السابقين، أنه لدى ذكره أيّ شيء يترتب عليه مسؤوليات، يستشهد بموقف أو وعد للأمين العام الراحل. ففي خطاب سابق، حين أكد على انتصار المقاومة على إسرائيل في نهاية المطاف، قال للجمهور ألا تصدقون السيد نصر الله الرجل المُلهَم. وفي هذا الخطاب، عندما أعلن عن انتقال الحزب في القتال ضدّ إسرائيل، من معادلة إسناد غزة إلى مرحلة إيلام العدو، أرجع ذلك إلى قرار سابق لنصر الله قبل اغتياله؛ والمغزى أنّ المعركة تسير في خطى متصاعدة، ولكل مرحلة حساباتها. ثم وجّه كلامه إلى أهل المقاومة، واعداً إياهم بما وعد به نصر الله الناس التي هُدّمت بيوتها، بإعادة بنائها أحسن مما كانت..
ماذا يعني ذلك؟
إنّ نائب الأمين العام للحزب يتعمد تكرار الاستشهاد بنصر الله، مستمداً من رمزيته، القوة والشرعية لقراراته، ولتسويغ خطط القتال، وتبرير شروط وقف إطلاق النار، والاستمرار في توسيع نطاق القصف الصاروخي ضمن مرحلة إيلام العدو، مستدرجاً في الوقت نفسه، صبر الناس، وهو أمر حيوي كي يتمكن الحزب من الصمود في الميدان. وكان نصر الله في خطابه بعد مأساة تفجيرات "البيجر"، قد أشار إلى أنّ إسرائيل تستهدف البنية والبيئة معاً، بنية الحزب بقتل قياداته وكوادره، وبيئة الحزب بهزّ صورة القيادة حين تبدو الوقائع المفروضة على الحزب مختلفة تماماً عن وعود ما قبل الحرب لسنوات مضت. وها هو نعيم قاسم، يؤكد تعافي الحزب من مقتلة القادة، بوجود البدائل، ويُطمئن المؤيدين المنكوبين في بيوتهم وأرزاقهم أنهم سينالون التعويض المناسب بعد انتهاء الحرب.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط