خاص أيوب


معادلة بيروت - تل أبيب

الثلاثاء 19 تشرين الثاني 2024 - 0:00

خاص (أيوب)

هل قامت أخيراً معادلة بيروت - تل أبيب، بعد معادلة الضاحية الجنوبية – حيفا؟ ثمة ملاحظات على المعادلة الجديدة، وما تعنيه عسكرياً، لأن قصف الضاحية الجنوبية على خطورته وفداحته ليس كقصف بيروت الإدارية، بما ترمز إليه، وما تضمّ بين أرجائها من أعداد ضخمة من نازحي الجنوب والضاحية. من أجل ذلك، احتاط الحزب منذ البداية، وحاذر أن يستعجل في توسيع نطاق القصف، حتى لا تستغلّ إسرائيل الموقف، فتبادر إلى شنّ حملة شاملة على العاصمة، فتكون النتائج الإنسانية كارثية. هذا مع العلم، أنّ الولايات المتحدة حذّرت إسرائيل من قصف بيروت، وفرنسا في الموقف نفسه، لأسباب سياسية، أكثر منها إنسانية. لماذا إذاً ظلّ نتنياهو يحوم حول بيروت، منذ قصف مركز الهيئة الصحية في الباشورة في قلب بيروت في 3 تشرين الأول الماضي، ثم الغارة العنيفة في البسطا الفوقا لاغتيال رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، معطوفة على قصف شقة في موضع قريب قرب مدرسة العاملية، بعد أسبوع من الغارة الأولى؟ هل يستدعي نتنياهو ردّ الحزب على تل أبيب، حتى يعاجل البيارتة بحربه القذرة؟ بعد محاولة اغتيال صفا، وتدخل إدارة بايدن، امتنع نتنياهو عن قصف بيروت، واستعاض عنه بالتدمير المتتابع لأحياء الضاحية، وقرى وبلدات الجنوب والبقاع، مع عمليات موضعية في كلّ أنحاء لبنان، ما عدا بيروت. وبعد سلسلة من الغارات العنيفة على حدود بيروت، الغبيري، والطيونة، حيث تردّدت الأصوات القوية في أرجاء العاصمة، بدأت مرحلة جديدة من قصف بيروت، باغتيال رئيس جهاز العلاقات الإعلامية محمد عفيف في منطقة رأس النبع يوم الأحد، ظهراً، ثم قصف شارع مار إلياس مساء، وبقي الغرض من القصف الذي تسبّب بحريق ودمار كبيرين، غير واضح تماماً. وفي اليوم التالي، قُصف منزل بمنطقة زقاق البلاط، قرب حسينية الزهراء، وهي تعجّ بالنازحين. فجاء البيان الإسرائيلي ليقول إنّ الهدف هو غرفة عمليات. هي غرفة عمليات لتوزيع المساعدات على النازحين، لكن القصد الحقيقي هو الضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري، باستهداف أنصار حركة أمل في المنطقة، كما أنّ اختيار المكان على بعد مئات الأمتار من السراي الحكومي ليس من دون مغزى.

تصاعدت الحرب التدميرية مع نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، وصواريخ الطائرات وقذائف البوارج تلاحق النازحين في كلّ مكان. أما ارتكاب المجازر، فهو بذريعة ملاحقة قياديين في حزب الله. لكن مع الوقت، بدا أنّ بنك الأهداف ينفد، وأنّ الاستهدافات غير واضحة، بل إنّ استهداف الأشخاص المذكورين في البيانات الإسرائيلية ليس ذا علاقة مباشرة بالحزب ولا بالمجهود الحربي، أو أنّ ملاحقة القياديين مجرّد تبرير لقتل المدنيين بقدر ما يستطيع، فيما القصد الحقيقي لنتنياهو، اتخاذ المدنيين رهائن لديه، يقتل عدداً منهم كلّ يوم للضغط على قيادة الثناني الشيعي، وعلى حزب الله تحديداً، من أجل القبول بالاتفاق الذي ليس سوى صك استسلام، ليس استسلام الحزب، بل استسلام الدولة اللبنانية لإرادة إسرائيل، كي تفعل ما تريده، وتكمل ما بدأته في الجنوب وخارجه.

 فما هو تأثير هذه المعادلة الجديدة على طرفي الحرب في لبنان وإسرائيل؟ وإذا كان حزب الله قادراً منذ بداية الحرب على الردّ في تل أبيب، من دون اعتبار للمدنيين الإسرائيليين، فلماذا تأخر في إدخال تل أبيب في معادلة الردع؟ وبالقدر نفسه من التساؤل، لماذا استأنفت إسرائيل قصف بيروت، وبشكل منتظم، وهي تدرك أنّ الحزب سيردّ في تل أبيب، مع ما يعني ذلك من إدخال منطقة مكتظة وسط إسرائيل في دائرة الخوف والنزوح، ما سيؤدي إلى تعطيل الحياة عملياً، وزيادة الضغوط على حكومة نتنياهو؟

أسئلة كثيرة تُطرح في هذا السياق الدموي، لكن ما هو مؤكد أنّ قصف بيروت لن يبدل شيئاً في الموقف اللبناني، ولن يجعل أحداً يتنازل فقط للخلاص من الجحيم، ناهيك عن انتهاك السيادة، واحتلال إسرائيل للأجواء بشكل دائم، وإمكانية التوغل البري في أي لحظة، أو إنزال الجنود في أيّ منطقة من لبنان، لمعالجة تهديد ما. بالمقابل، ما زال الحزب قادراً على الردّ وإطلاق الصواريخ. وإدخال تل أبيب الكبرى في معادلة الردع، وهو ليس في مصلحة حكومة نتنياهو. ليس لأن صواريخ الحزب بكفاءة صواريخ إسرائيل وقدرتها التدميرية، بل لأن العدو لديه ما يخاف عليه، والجبهة الداخلية لن تبقى صامتة أمام تهديد نمط عيش الإسرائيليين.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة