الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل قلقة هذه الأيام، من الموقف السعودي المتصاعد في إدانة الإبادة في قطاع غزة، فضلاً عن الحملة الدبلوماسية التي تقودها المملكة من أجل الدفع نحو "حلّ الدولتين" في فلسطين التاريخية، بوصفه المخرج الدبلوماسي الأكثر ملاءمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد أثبتت الأحداث منذ 7 أكتوبر العام الماضي، أنّ استمرار الجرح النازف في فلسطين يهدّد المنطقة بأسرها. ولا يمكن الدخول في أيّ مشاريع إقليمية للسلام والتنمية في المنطقة من دون إقامة الدولة الفلسطينية.
عن هذا القلق، كتب المحرر الدبلوماسي في موقع "تايمز أوف إسرائيل"، لازار بيرمان، محاولاً سبر الموقف السعودي وأبعاده، وانعكاساته على التفاؤل الذي أبداه نتنياهو وما يزال، في تغيير وجه المنطقة وبإكمال اتفاقات أبراهام بعد انتهاء الحرب في غزة ولبنان، كما أكد خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أيلول الماضي، حين قدّم نتنياهو رؤيته لمستقبل وردي للمنطقة.
في تلك الكلمة، قال نتنياهو: من أجل شرق أوسط جديد، يجب مواصلة الطريق الذي بدأ باتفاقيات أبراهام قبل أربع سنوات، بما يعني تحقيق اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ووصف نتنياهو اتفاقاً محتملاً مع المملكة بأنه "محور حقيقي للتاريخ"، وهو اتفاق "من شأنه أن يبشر بمصالحة تاريخية بين العالم العربي وإسرائيل، بين الإسلام واليهودية، بين مكة والقدس"، على حدّ تعبيره.
وبعد عودته إلى إسرائيل، واصل نتنياهو إظهار التفاؤل بفرص السلام، على الرغم من الحرب المستمرة حتى إنه جادل بأن المعركة ضد إيران ووكلائها منذ 7 أكتوبر 2023، وقد أثارت الغضب في جميع أنحاء العالم العربي، تساعد جهود إسرائيل في التطبيع الإقليمي.
وقال مسؤولون إسرائيليون لـ" تايمز أوف إسرائيل" إنّ نتنياهو يريد إنهاء الحرب في غزة ولبنان حتى يتمكن من تحويل تركيزه إلى هدفه الشامل والمتمثل في السلام مع السعوديين وتعزيز تحالف مناهض لإيران. لكن بيرمان يلاحظ أنّ الإشارات القادمة من المملكة تحكي قصة مختلفة. ففي الأسبوع الماضي، تحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمام قادة عرب ومسلمين في قمة الرياض، متهماً إسرائيل بالإبادة الجماعية، وداعياً إسرائيل إلى عدم انتهاك سيادة إيران. وقال ولي العهد للقادة المجتمعين إنّ المملكة جدّدت "إدانتها ورفضها القاطع للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، والتي أودت بحياة 150 ألف شهيد وجريح ومفقود، معظمهم من النساء والأطفال".
لقد انتقد المسؤولون السعوديون إسرائيل، ومن بينهم وزير الخارجية فيصل بن فرحان، لكن أن يتهم محمد بن سلمان نفسه إسرائيل بالإبادة الجماعية في منتدى علني، هو التصعيد الأكثر بروزاً في انتقاد الرياض لإسرائيل، والذي أصبح حاداً بشكل متزايد منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، العام الماضي. هناك مؤشرات على حدوث تحولات جوهرية تبعد المملكة عن إسرائيل، كما يقول بيرمان. فهناك موجة من النشاط الدبلوماسي حول القضية الفلسطينية. ففي أيلول الماضي، أطلقت الدول الأوروبية والعربية والإسلامية مبادرة – برئاسة مشتركة من المملكة العربية السعودية – لتعزيز الدعم من أجل قيام دولة فلسطينية. كما صوتت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى من أجل منح الفلسطينيين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
تقارب مع إيران
الاتجاه الآخر المقلق بالنسبة لإسرائيل، والذي ينعكس أيضاً في تصريحات الأمير محمد بن سلمان، هو ذوبان الجليد في العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية. ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شاركت المملكة وإيران في مناورات بحرية مشتركة. كان البلدان في قطيعة منذ عام 2016. كما أنهما يقفان على طرفي نقيض من الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمن في اليمن. لكن في آذار/مارس عام 2023، شهد اتفاق توسطت فيه الصين موافقة الخصمين منذ مدة طويلة على استعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما. وفي الأسبوع الماضي، سافر رئيس أركان الجيش السعودي فياض الرويلي إلى إيران مع وفد عسكري رفيع المستوى للقاء نظيره الإيراني محمد باقري. وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شارك البلدان في مناورات بحرية مشتركة.
وأمس، انعقد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية الصينية الإيرانية المشتركة لمتابعة اتفاق بكين في الرياض. وأكد الجانبان السعودي والإيراني التزامهما بتنفيذ اتفاق بكين بكافة بنوده، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.وفي الإطار ذاته، رحبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على كافة المستويات والقطاعات، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خاصةً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة والذي يهدد أمن المنطقة والعالم. ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وأدانت الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه لسيادة وسلامة أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكّل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم بالإضافة إلى الأمن البحري، مع التأكيد من جديد على دعمها للحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد استقبل بشكل جيد في الخليج، إلا أنه زاد من تآكل الثقة السعودية في ولايته الأولى، حين اختار عدم ضرب إيران رداً على هجوم الطائرات بدون طيار والصواريخ في أيلول/سبتمبر 2019 على منشأة سعودية رئيسية لمعالجة النفط. وبمجرد أن أدركت الرياض أنه لن يكون هناك انتقام أميركي، تواصلت مع إيران، مدركة أنه عليها تجنب صراع يمكن أن تضطر فيه إلى القتال بمفردها.
التغيير الذي تريده المملكة، هو صفقة دفاعية مع الولايات المتحدة فيها ضمانات رسمية للأمن السعودي. ولقد عملت إدارة جو بايدن على تضمين التطبيع مع إسرائيل كجزء من اتفاق ثلاثي، ومن المرجح أن يسعى ترامب إلى التوصل إلى اتفاق بمعايير مماثلة. لكن ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، ارتفع ثمن هذه الصفقة بالنسبة لإسرائيل، حيث يطالب السعوديون علناً بالتحرك نحو إقامة دولة فلسطينية.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط