الجمعه 20 أيلول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
في الظهور الأول للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله عقب موجتي تفجير آلاف أجهزة الاتصال بحوزة أفراد الحزب وكوادره، كان خطابه هادئاً وواقعياً ومليئاً بالرموز والإشارات وحركات الجسد بما يعكس الحالة الصعبة التي مرّ بها الحزب يومي الثلاثاء والأربعاء، وهما الأخطر منذ الثامن من تشرين الأول الماضي عندما أطلق معركة إسناد غزة. قرأ القسم الأول من الخطاب من ورقةمطبوعة ويكون ذلك عادة في المواقف التي تتطلّب كلاماً دقيقاً ومنضبطاً. أقرّ بالتفوّق التكنولوجي الإسرائيلي المدعوم أميركياً وغربياً، وأنها كانت ضربة موجعة. ووعد باستيعاب الضربة، وبالاستمرار في مساندة غزة. أما أبرز ما لم يقله نصر الله، بل تبدّى بين طيّات الكلام وإشاراته، فهو ما يلي:
أولاً، ظهرت على يمين الأمين العام، الآية ٣٩ من سورة الحج: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾. وهي الآية التي سوّغت الجهاد للمسلمين الأوائل المهاجرين إلى يثرب لأنهم مظلومون. وهذه إشارة إلى نية خوض الحرب دون أن يعني ذلك البدء فوراً بها رداً على هجمات البيجر واللاسلكي، بل نشر الآية نوع من الحرب النفسية؛ إذ من المؤكد أنّ الخبراء الإسرائيليين انكبّوا على قراءة الخطاب ودراسته من كلّ الأوجه، أكثر من أيّ خطاب آخر، وللآية دلالة واضحة في هذا السياق.
ثانياً، الهدف الأول من ظهور الأمين العام، هو طمأنة الجمهور المؤيد له أنه بخير، بعد موجة التفجيرات، وما سرى من شكوك عن مصير القادة، وهل تعرّضوا للأخطار أو الأضرار كما حدث للمئات من الأفراد والكوادر، وحتى للسفير الإيراني في لبنان، فإن كان نصر الله يبتعد عن أيّ جهاز إلكتروني للوقاية من عمليات التعقب والتجسس، إلا أنّ آخرين قد يكونون إلى جانبه، ويحملون جهاز البيجر الذي هو آمن من حيث المبدأ.
ثالثاً، كان على نصر الله إبداء مشاعر المواساة والمشاركة مع ضحايا التفجيرات، ورفع المعنويات؛ فالهدف الإسرائيلي كما قال، ضرب بيئة المقاومة وبنيتها. وما حاوله في الخطاب هو احتواء الحرب النفسية الشرسة المستندة إلى تحويل جهاز اتصال إلى قنبلة متفجرة في أيّ مكان يكون فيه حامله، سواء أكان في موقع عسكري أو مدني، بين عسكريين أو مدنيين. وهذا العمل الذي قد تعتبره إسرائيل وحلفاؤها من قبيل السبق الإبداعي في العمل الاستخباري، هو إرهاب.
رابعاً، لم يتبنّ نصر الله أيّ نظرية بخصوص كيفية اختراق الأجهزة والتقنية المستخدمة. وأبدى تصميمه على الحصول على إجابات يقينية قبل اتخاذ الموقف المناسب. وهذا الموقف بالغ الأهمية، لأن البناء على مجرد نظريات أو تكهنات دون أدلة دامغة لن يساعد في معالجة الخرق وردم الثغرة الأمنية، التي إن استمرت فستشكل خطراً كبيراً على أمن الأفراد والقادة، والأهم على أمن العمليات القتالية، كما الحفاظ على سلسلة التحكم والسيطرة في الميدان. وهذا لا يرتبط بالحزب فقط، بل بالحلفاء أيضاً، وبكل مستخدم لوسائل الاتصال الحديثة في العالم. الفرق شاسع بين الاختراق الإلكتروني والاختراق الاستخباري. وفي الإطار نفسه، كشف نصر الله عن تشكيل لجان تحقيق داخلية متعددة، لدرس كل السيناريوهات والفرضيات والاحتمالات، مؤكداً أنّ "هذا الملف، من المنتِج إلى المستهلك إلى لحظة التفجير، هو محلّ تحقيق، ليُبنى على الشيء مقتضاه". لكن ما لم يقله أنّ التحقيق قد لا يصل إلى إجابات جازمة لتحديد المسؤوليات. وأنه لن ينجرّ إلى حرب مهما كانت نتائج التحقيق، لأن نتنياهو يملك زمام المبادرة، ولن تجرفه العاطفة وسط بيئة معقدة من التفاوض والقتال في فلسطين. وذلك على الرغم من أنّ زعيم الحزب أكد أنّ مجزرتي الثلاثاء والأربعاء، هما "تجاوُز لكل الضوابط والأخلاق"، و"إعلان حرب"، وأنّ ما حدث "سيُواجَه بقصاصٍ عادل وحسابٍ عسير، دون تحديد زمان ولا مكان".
خامساً، حاول نصر الله التقليل من آثار العملية الإسرائيلية، حين قال إنّ العدو كان يعلم بأنّ عدد أجهزة البيجر هو 4 آلاف، وأنّها موزّعة على عناصر حزب الله، الأمر الذي يعني تعمّده قتل 4 آلاف في دقيقةٍ واحدة. كما كانت نيّته، في اليوم التالي، قتل آلالاف من حاملي أجهزة اللاسلكي. لكن إصابات كثيرة كانت طفيفة، وكان عدد من البيجرات خارج الخدمة، أو بعيداً، أو غير موزَّع على أفراد الحزب. كان القصد من هذا التقييم للعملية، أنها لم تحقق أهدافها على الرغم من كلّ الإصابات الكثيرة التي وقعت.
سادساً، قال نصر الله إنّ تركيز المقاومة في عام 1978، وبعدها حركات المقاومة، عبر كلّ فصائلها، في عام 1982، هو على تحرير "الشريط الحدودي"، وسيتحوّل أيّ "حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية إلى فخّ وجهنّم لجيش الاحتلال الإسرائيلي". و"إن أقدم العدو على اجتياح لبنان، فسيكون ذلك فرصة تاريخية". وهذا دليل إضافي، على أنّ الحزب ينتظر الهجوم الإسرائيلي البري، ولا يريد هو التورط في هجوم بري. كما لن يكون من يبادر إلى إشعال الحرب الموسعة، علماً أنّ جبهة المساندة في لبنان "هي من أهم أوراق التفاوض التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية، من أجل وقف العدوان على غزة".
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط