الخميس 28 تشرين الثاني 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، يتضمّن بنوداً لو نُفّذت حرفياً، فهي تعني انتهاء حزب الله كمقاومة، وكميليشيا لمدة طويلة. فكيف قبل الحزب بها؟ وهل كان في موقع ضعف بنيوي؟ أم أنّ إيران فرضت مصالحها الاستراتيجية على الحزب؟ وما دور فرنسا في عرقلة أيّ اتفاق مع إسرائيل ينتهك السيادة اللبنانية؟
لقد وافق حزب الله على وقف إطلاق النار، من خلال القرار الدولي رقم 1701 الصادر عقب حرب تموز 2006. وكانت موافقته غير مباشرة، كما كان التفاوض غير مباشر. لكن القرار نفسه من دون إضافات، يتضمن إقامة منطقة بين الحدود ونهر الليطاني، خالية من الأفراد المسلحين، أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخصّ حكومة لبنان وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). وكذلك تنفيذ القرارين 1559 و1680 اللذين يطالبان بنزع سلاح كل المجموعات المسلحة، ومنع مبيعات أو إمدادات الأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى لبنان عدا ما تأذن به الحكومة، فضلاً عن منع وجود قوات أجنبية في لبنان من دون إذن الحكومة اللبنانية. وما أضاف إليه الاتفاق الجديد بين لبنان وإسرائيل، إنما هو بعض الشروح للمواد المذكورة آنفاً. فالاتفاق الأخير، يمنع أفراد حزب الله وغيره من المجموعات المسلحة من التمركز جنوب نهر الليطاني. وعلى الجيش اللبناني تفكيك البنية العسكرية للحزب في المنطقة الخالية من أي وجود عسكري غير الجيش واليونيفيل، ومنع تحرك أيّ أفراد مسلحين في تلك المنطقة. وإلى ذلك، يشدد الاتفاق المذكور على منع توريد السلاح إلى لبنان إلا إلى الجيش اللبناني، ومنع تصنيع السلاح في لبنان لأي جهة غير الجيش اللبناني، وسواء في جنوب نهر الليطاني أو في بقية المناطق شمالاً. وفوق ذلك، لم يذكر الاتفاق إطلاق سراح أسرى الحزب لدى إسرائيل.
إنّ البنود المشار إليها لم تنفّذ سابقاً عام 2006، وإلى عام 2024، فكيف رضي الحزب بتنفيذ هذه البنود المتجددة والتي مؤداها تجريده من السلاح، وقطع طريق إمداده من سوريا؟ بل منعه من تصنيع الاسلحة في لبنان، تحت طائلة مصادرتها من القوات المسلحة اللبنانية. ما من شك أنّ نتنياهو نفسه تعرّض هو بالمقابل لضغوط كبيرة من الداخل الصهيوني لمنع إبرام الاتفاق، واتهمه حلفاؤه في الائتلاف كما معارضوه خارج الحكومة، بإضاعة الفرصة التاريخية للقضاء على حزب الله. وتعرّض في الوقت نفسه، إلى ضغوط خارجية مؤثرة، أبرزها من الولايات المتحدة، عبر تأجيل شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، في وسط المعركة مع حركة حماس في غزة، كما مع حزب الله في لبنان، وذلك من أجل إبرام الاتفاق دونما تأخير.
ومن أجل توضيح الصورة، يمكن إيراد المعلومات التالية:
أولاً، استغرقت المفاوضات لعقد الاتفاق بين لبنان وسوريا، عدة أشهر، وكانت المبادرة الفرنسية الأميركية ذروة هذا العمل، وقد وافق عليها حزب الله، في اليوم الذي سبق اغتيال أمينه العام السيّد حسن نصر الله في 27 أيلول الماضي. ثم استؤنفت قبل الانتخابات الأميركية وبعدها، وظلت العقبة الوحيدة، هي منح إسرائيل حرية الحركة في جنوب نهر الليطاني لضرب أيّ تهديد، وفي شمال النهر أيضاً، بقيود أكثر. والغريب أن فرنسا هي التي كانت تحرّض لبنان على عدم القبول بالشرط الإسرائيلي، إلى أن أقنع وزير الخارجية بلينكن الرئيس ماكرون بالامتناع عن تحريض لبنان، في لقاء جمع الاثنين على هامش قمة العشرين في ريو دي جنيرو، بحسب موقع أكسيوس.
ثانياً، كان لطهران دور أيضاً في طبخ الاتفاق المذكور كما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست. فلولا موافقة إيران على بنود الاتفاق لما نجحت المفاوضات. لكن الدور الإيراني يتعدى ما ذكرته الصحيفة الأميركية؛ إذ إن إيران تتوجس من مغامرات نتنياهو، والذي يطمح منذ سنوات بضرب المشروع النووي الإيراني، كما تتهيّب من الشخصية المتقلبة للرئيس المنتخب دونالد ترامب. وحيث إنها قد لمحت مماطلة نتنياهو لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان إلى أن يستلم ترامب مهامه في 20 كانون الثاني المقبل، حتى يحصل على مكاسب أكبر، فقد التقت المصلحة الإيرانية في تجنب الحرب الواسعة في المنطقة، والحفاظ على حزب الله في لبنان، مع مصلحة إدارة بايدن في حرمان ترامب من جائزة إحلال السلام في المنطقة بالطريقة التي تُرضي الحكومة الإسرائيلية.
ماذا يعني ذلك؟
طهران ضغطت على الحزب للقبول بالصفقة على علّاتها خوفاً من الأسوأ. وواشنطن ضغطت على نتنياهو لإبرام الاتفاق من خلال تأخير شحنات الأسلحة، لحرمان ترامب من الإنجاز.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط