الأحد 24 تشرين الثاني 2024 - 0:01
خاص (أيوب)
الغارة الإسرائيلية المدمّرة التي ضربت مجدداً شارع المأمون في البسطة الفوقا، الساعة الرابعة قبيل الفجر، بخمس صواريخ ثقيلة خارقة للتحصينات، لم تكن تستهدف سوى إرهاب الناس في تلك المنطقة، ونشر الرعب والذعر في أنحاء العاصمة، من ضمن الحرب النفسية الشرسة التي تخوضها إسرائيل ضدّ لبنان، بالتوازي مع التوغلات في الجنوب على محاور متعدّدة، وتفجير القرى ومحوها من الخارطة، فضلاً عن التدمير المنهجي للقرى الجنوبية والبقاعية وأحياء من المدن، وصولاً إلى بيروت نفسها وضاحيتها.
ففي العاشر من تشرين الأول الماضي، وفي غارة غير مسبوقة على بيروت، دمرت غارة جوية مبنى قديماً في الشارع نفسه، وانهارت معه أبنية ملاصقة، بالتزامن مع قصف شقة في منطقة النويري، والهدف آنذاك كان مسؤول وحدة الاتصال والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. نجا صفا من محاولة الاغتيال، لكن السؤال كان في مكان آخر، وهو لماذا تقصف إسرائيل بقنابلها الثقيلة (قرابة الطن للقنبلة الواحدة) مبنى سكنياً في قلب بيروت، بل لماذا ضربت مبنيين في منطقتين متجاورتين في الوقت نفسه؟ هل كان لضمان إصابة صفا، أم إنّ ملاحقة وفيق صفا هي ذريعة لقصف أحياء بيروت المكتظة بالنازحين؟
ما يثير الشكوك في الغارة الثانية على الشارع نفسه، ليل السبت الماضي، من أنها لم تكن عملية اغتيال محددة ودقيقة كما يقال عادة، أنّ المنطقة شهدت صباح يوم الجمعة حالة رعب، بعد ورود اتصال بأحد المقيمين في الموقع الذي لا يبعد كثيراً عن مكان الغارة، يدعوه فيه إلى إخلاء المنطقة. أُطلق الرصاص في الهواء لحثّ السكّان على المغادرة الفورية، وتراكض الناس بحاجياتهم التي حملوها على عجل للنجاة بأنفسهم من التهلكة. لكن أمراً لم يحدث ذلك النهار، باعتبار أنه اتصال مزيف، فمنهم من عاد مساء إلى منزله في الشارع نفسه، ومنهم من آثر الابتعاد عن المنطقة، فلم يعد إليها. ويقال أيضاً إنّ إنذاراً آخر وصل إلى الناس مساء يوم الجمعة، إلى جانب عشرات الإنذارات الوهمية، فلم يُعر أحد هذا الأمر الأهمية اللازمة، حتى كانت الغارة الثانية، وهي الأعنف، والأقسى من نوعها؛ إذ استهدفت مبنى من ثماني طوابق، بقنابل خارقة للتحصينات، فجعلته رماداً. ودار السؤال عن سبب الاستهداف الثاني للشارع؟ وهنا بدأت سلسلة لا تنتهي من الأسئلة الجدية؛ فإذا كان الهدف الإسرائيلي هو نعيم قاسم كما تردد في البداية، فكيف دخل إلى المنطقة المكتظة سكنياً دون أن يلمحه أحد؟ والبناية قديمة، ومن غير الممكن أن يكون قد جُعل تحتها مقرّ للقيادة العسكرية للحزب، فاحتاجت إلى استعمال قنابل خارقة للتحصينات. وإن كان المقصود هو النائب السابق محمد حيدر كما رسا العدو على تحديده أخيراً، فكيف يغفل الحسّ الأمني لحيدر عن ضرورة ترك المبنى أو المنطقة بدون إبطاء، ولا سيما مع ورود إنذارين بالإخلاء واحد في الصباح وآخر في المساء؟ وإذا كان الهدف الإسرائيلي هو الاغتيال لشخصية قيادية، فلماذا الإنذار المسبق ولو كان غير رسمي؟ وإذا كان القصد الحقيقي هو تدمير شارع هو محسوب تاريخياً على الحزب، فلماذا قصفه بهذه الوحشية من دون إنذار رسمي كما يحدث على التتابع في الضاحية الجنوبية منذ شهرين تقريباً؟ وهل أصبحت أحياء كاملة في بيروت برسم التدمير المنهجي كما يحدث يومياً في الضاحية؟ وما علاقة الغارات المفاجئة على بيروت بعشرات الاتصالات التي توالت في مختلف المناطق اللبنانية التي تضمّ نازحين من الجنوب والبقاع؟ هل المقصود نشر الرعب في البيئة الحاضنة للحزب، وفي البيئة الحاضنة للنازحين، وهي من مختلف الطوائف والاتجاهات، بهدف ممارسة مزيد من الضغوط على المسؤولين في الحزب وفي الدولة، في خضمّ مفاوضات دقيقة وحرجة بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية؟
ماذا يعني ذلك؟
إنّ المحاولة الفاشلة لاغتيال القائد العسكري محمد حيدر، أو القائد البديل بعد اغتيال القادة على التوالي، كما وُصف أخيراً في وسائل الإعلام الإسرائيلية، في عملية وحشية وغير دقيقة في قلب بيروت، هي في حقيقة الأمر استباحة للعاصمة بعد استباحة ضاحيتها الجنوبية، والتي تعدّت الغارات اليومية عليها الهدف العسكري المعلن، فأصبح التدمير للتدمير فقط وإلحاق الاذى بالناس. وهذا وسط صمت كامل من الدول الداعمة لإسرائيل، وكأن مجرد ذكر الهدف (شخصية قيادية) أو (مركز قيادي) أو (غرفة عمليات)، كافٍ وحده لقتل العشرات من المدنيين، كما يحدث في غزة تماماً.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط