
الاثنين 27 كانون الثاني 2025 - 0:01
خاص (أيوب)
مع إعلان إسرائيل تأخير انسحابها من الجنوب بانتهاء مهلة الـ60 يوماً، وهي المحدّدة بحسب اتفاق وقف إطلاق النار، بذريعة عدم إكمال الجانب اللبناني المطلوب منه، وهو انتشار الجيش اللبناني رفقة القوات الدولية، في كل القرى والبلدات والمدن، ونزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني، نفّذ أنصار حزب الله وحركة أمل، من أهالي القرى الحدودية المحتلة، اقتحاماً من نوع مختلف، وبالأيدي العارية، لفرض قواعد اشتباك جديدة على العدو، من دون إسقاط وقف إطلاق النار، وتحت عنوان إجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب بانتهاء المهلة المحدّدة.
هذه الهجمة الشعبية المنسّقة لم تكن من دون سقوط عشرات الشهداء والجرحى، ومنهم جنود لبنانيون، بنيران الجنود الإسرائيليين، وهدفها الأساسي، كسر ما فرضته إسرائيل في الحرب الأخيرة من منطقة حدودية عازلة وخالية من البشر ومن الحجر، مع توافر النية الإسرائيلية في البقاء طويلاً، في المرتفعات المشرفة على مستوطنات الشمال، بذرائع مختلفة، تظهر تباعاً، ليس أقلها ضمان تطبيق القرار الدولي رقم 1701، بكامل مندرجاته. لكن إسرائيل وتحت عنوان ضمان تطبيق القرارات الدولية، ومن أجل ضمان الأمن للمستوطنين، مارست خلال الحرب، ولا سيما بعد وقف إطلاق النار، أفعالاً لا تمتّ بصلة إلى الأهداف المعلنة للحرب، لا سيما نزع سلاح الحزب. فلماذا تدمير المنازل والمدارس والمؤسسات ودور العبادة وتحطيم البنية التحتية للمناطق المأهولة المستهدفة؟ وما هو مغزى جرف أشجار الزيتون لا سيما المعمّرة منها، وكثير من هذه الممارسات حدثت بعد وقف إطلاق النار، أكثر مما حدثت قبله؟
يقول محللون إسرائيليون، إن نتنياهو يتعمّد استفزاز الجنوبيين بهذه الأفعال، وإحراج الثنائي الشيعي، لا سيما حزب الله، استدراجاً لفرصة استئناف ما كان بدأه منتصف أيلول الماضي؛ فرئيس الحكومة المأزوم بسبب اضطراره لوقف إطلاق النار في غزة، مع حركة حماس، ورضوخه لمبدأ استعادة الأسرى الإسرائيليين بالتفاوض والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، يتحيّن أي ذريعة متاحة، من أجل الاستمرار في إطلاق العمليات العسكرية في الجبهات المختلفة. وهذا الانتقال أو الهروب من ساحة إلى أخرى، بدأ الصيف الماضي، فمع انسداد الأفق العسكري في قطاع غزة، فلم يعد ثمة احتمال واضح للنصر الكامل، شنّ حرباً مدمرة على لبنان، مستهدفاً إبادة القدرة العسكرية لحزب الله في الحدّ الأدنى، وإخراجه من المعادلة السياسية اللبنانية في الحدّ الأقصى. ولما أوقف عملية لبنان في منتصفها أواخر تشرين الثاني الماضي، بضغط من الولايات المتحدة، وجّه أنظاره إلى سوريا حين سقوط النظام وهروب بشار الأسد، فتوغّلت القوات الإسرائيلية في عمق الجولان، واقتربت كثيراً من العاصمة دمشق، وأطلقت أوسع حملة جوية لتدمير عتاد الجيش السوري. ثم ومع وقف إطلاق النار أخيراً في غزة بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبيل تنصيبه رسمياً، توجه فوراً إلى مخيم جنين لاجتثاث المقاومة هناك. وها هو يعود إلى لبنان مجدداً، رافضاً الانسحاب من الجنوب، بالتزامن مع انطلاق مفاعيل الاتفاق في غزة، وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، وهو ما شكّل إحراجاً هائلاً له.
لكن ماذا يعني اقتحام القرى المحتلة بالموجات البشرية، وهي خطة أعلنها حزب الله قبل أيام، ونفّذها فعلاً بالتنسيق مع حركة أمل؟ هل هذا سيُجبر إسرائيل على الخروج نهائياً إلى ما وراء الحدود، من دون استكمال الأهداف؟ أم أن الحركة الشعبية المنظمة تنقل الصراع إلى مستوى آخر، وبأدوات مختلفة؟ وهل تغيّرت قواعد الاشتباك؟
أولاً، يقول الحزب إن يوم السادس والعشرين من كانون الثاني، هو يوم مجيد، أرسى واقعاً جديداً، ليس ميدانياً بل سياسياً أيضاً. والمعنى أن قواعد الاشتباك المقصودة، غير محصورة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل هي أيضاً لمجابهة محاولات إقصاء الحزب أو المقاومة، عن دوره، أو دورها التقليدي في المنظومة السياسية والدفاعية، والوطنية عموماً. ومعلومٌ ما يشهده تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام من ضغوط وإشكاليات وشروط متبادلة.
ثانياً، كان الرهان الرسمي على اعتماد الدبلوماسية لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي الجديد، وترسيم الحدود البرية، وهو ما كان يسعى إليه الوسطاء العرب والدوليون، لنزع الذريعة من الحزب، الذي ما يزال متشبثاً بدور أساسي للمقاومة المسلحة في حماية لبنان والدفاع، على الرغم من النكسات الخطيرة التي تعرّض لها في الحرب الأخيرة. وما جرى في الجنوب، هو ترسيخ لحق جميع اللبنانيين في مقاومة الاحتلال، ومن ضمنهم أنصار الحزب، وتشكيك ضمني بقدرة الدولة على القيام بهذه المهمة.
ثالثاً، سيكون أمام العهد الجديد، والحكومة الجديدة، مهمة احتواء ما جرى ميدانياً وسياسياً، لإثبات دور الجيش في الدفاع عن الأرض ولو بما يتوافر من قوة له، من جهة، وحماية الاستقرار السياسي والأمني، بما يحافظ على وقف إطلاق النار، وتطبيق القرارات الدولية من جهة أخرى.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط