الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
بدا نتنياهو غير مُقنع للجمهور وهو يذكر أسباب الموافقة على وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان بعد أكثر من شهرين من انطلاق الاغتيالات المتلاحقة لقادة الحزب وكوادره وصولاً إلى اغتيال السيّد حسن نصر الله في 27 أيلول الماضي. فبعد أن تفاخر بإنجازات إسرائيل، قال إنّ ثلاثة أسباب دفعته إلى الموافقة على الاتفاق: التركيز على مواجهة التهديد الإيراني، ومعالجة نقص السلاح والذخيرة، وفصل لبنان عن غزة.
أولاً، افتخر نتنياهو بأن إسرائيل قاتلت على سبع جبهات في الوقت نفسه وسيطرت على الموقف، فلماذا يشعر الآن بضرورة التركيز على إيران؟ وما هو التهديد الآتي من طهران؟ وأليس هو من استفزّها بالمقام الأول ابتداء من قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الربيع الماضي؟ وفي كلّ الأحوال لم تكن إسرائيل وحدها في الميدان.
ثانياً، وهو السبب الأكثر تأثيراً في قرار وقف الحرب، وهو حاجة الجيش الإسرائيلي إلى تعزيز قواته، وتجهيزه بالسلاح اللازم. وهنا يضع اللوم على تأخّر وصول شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وأنّ هذه المشكلة في طريقها إلى الحلّ. ومعلوم أنّ قيادة الجيش الإسرائيلي هي التي دفعت وضغطت من أجل إبرام الاتفاق مع لبنان، لهذا السبب تحديداً. فالجيش تعرّض إلى استنزاف كبير منذ 7 أكتوبر العام الماضي، في القتال المرير الذي يخوضه في قطاع غزة. ومنذ أشهر طويلة، وهو يطلب من الحكومة صياغة رؤية سياسية واضحة لما بعد الحرب.
ثالثاً، فيما يتعلّق بفصل جبهة لبنان عن غزة، فإن نتنياهو يعتبر أنّ وقف النار مع حزب الله في لبنان، سيترك حركة حماس وحيدة في الميدان. وعليه، فإن من شأن إخراج الحزب من المواجهة، كما يقول نتنياهو، أن يدفع نحو الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. لكن ما كان تأثير معركة إسناد غزة، على غزة نفسها، وهل كانت حماس والفصائل تحارب إلا بوسائل ذاتية، وسط حصار مطبق، بل ما زالت تقاتل بالعزم نفسه منذ أكثر من عام. لذا، فإن نتنياهو يتوهم بأنه يحقق إنجازاً بفصل لبنان عن غزة، ويوهم جمهوره بأن حماس ستستسلم وتسلّم الأسرى دون مقابل.
ما لم يقله نتنياهو، أنّ الجيش الإسرائيلي نجح حقاً في تدمير مناطق واسعة من لبنان، وصولاً إلى بيروت نفسها، لكنه أخفق في التوغّل البري الحاسم، وفشل في منع انطلاق الصواريخ من لبنان، واضطر إلى الاتفاق الدبلوماسي مع لبنان لإرجاع المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل.
لماذا تأخر الاتفاق؟
ثمة مسألتان مترابطتان، في سياق التفاوض على وقف إطلاق النار، أولاهما إصرار نتنياهو على قصف بيروت، وعدم الاكتفاء بتدمير الضاحية بناية تلو أخرى. وثانيهما، الخلاف مع بايدن على عدة مسائل، منها قصف بيروت، ثم مذكرات اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. فعندما قصفت الطائرات الإسرائيلية البسطة الفوقا والنويري بهدف اغتيال القيادي في الحزب وفيق صفا، طلب بايدن من نتنياهو عدم قصف بيروت. وفعلاً، توقفت العمليات مؤقتاً، إلى أن فاز دونالد ترامب بالرئاسة، فعاودت الطائرات الإسرائيلية قصف الضاحية الجنوبية بشكل يومي. ثم عاد الموفد الأميركي عاموس هوكستاين لترتيب وقف إطلاق النار. وقيل إنّ الاتفاق بات في اليد. خرج هوكستاين من لبنان متفائلاً إلى إسرائيل. وهناك، وأثناء اجتماعه مع نتنياهو، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت إضافة إلى قائد قوات القسام محمد الضيف. وهنا يروي موقع أكسيوس كيف غضب نتنياهو بسبب صدور المذكرات عن المحكمة، وأكثر بسبب صدور مواقف أوروبية عن استعداد الدول لتنفيذ المذكرات واعتقال المطلوبين. وغضب نتنياهو توجه إلى إدارة بايدن التي لم تفعل ما هو مطلوب منها لمنع صدور تلك المذكرات. وانتهى لقاؤه مع هوكستاين من دون إعلان أيّ نتائج. وكان ذلك يوم الخميس في 21 تشرين الثاني الجاري. وبعد يومين، أغار الطيران الإسرائيلي على الشارع نفسه في البسطة الفوقا، على مبنى يقع على بعد أمتار من موقع الغارة الأولى، والتي دمرت مجموعة من الأبنية القديمة. وكانت الحجة أنّ المكان يضمّ مركز القيادة البديل لحزب الله. قيل إنّ المستهدف هو الشيخ نعيم قاسم نفسه، ثم تداولوا باسم طلال حمية مسؤول العمليات الخارجية للحزب، ثم رسا الخيار على اسم محمد حيدر، النائب السابق عن الحزب، والقائد الفعلي للعمليات بعد اغتيال القادة. الغريب في الأمر، أنّ يديعوت أحرنوت نقلت خبراً مروياً عن مصدر إسرائيلي أنّ العملية فشلت. وفي اليوم التالي، أعلنت الصحيفة نفسها، أنه من الصعوبة أن ينجو حيدر من الغارة، لأن الاستهداف وقع لحظة دخوله إلى المبنى. وكأن الكلام الثاني، هو محاولة لتبرير الانتهاك الجديد لمنطقة مكتظة بالمدنيين داخل بيروت، أمام إدارة بايدن. وقبيل الإعلان، عن الاتفاق يوم أمس الثلاثاء، قصف الطيران الإسرائيلي مبنى قديماً قريب جداً من مجمع خاتم الأنبياء. ثم تتالت الإنذارات والغارات في كثير من المناطق في بيروت، من دون سبب معروف، وأحياناً من دون إنذار، وبحجة قصف مراكز القرض الحسن الخالية أصلاً.
وفيما يتعلق بمذكرة الاعتقال أيضاً، وتأثيرها في إبرام الاتفاق مبكراً، فقد ذكر موقع أكسيوس أنّ نتنياهو ازداد غضبه بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية استعدادها لتنفيذ حكم المحكمة الجنائية الدولية، فرفض نتنياهو أن تكون فرنسا جزءاً من لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق في لبنان. ولحلّ تلك المشكلة، تحدث بايدن يوم الجمعة الماضي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأخبره أنّ نتنياهو محق في غضبه. لذا، أصدر الفرنسيون بياناً ثانياً لمحاولة تهدئة التوتر مع نتنياهو. وقال مصدر مطلع على الأمر إنّ هوكستاين أرسل يوم السبت الماضي إلى نتنياهو عبر السفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هيرتزوغ هدد فيها بالانسحاب كوسيط إذا لم تتحرك إسرائيل نحو التوصل إلى اتفاق في الأيام التالية. وبحسب مسؤول أميركي، حُلّت الأزمة مع فرنسا، ووافقت إسرائيل على أن يكون لفرنسا دور في تنفيذ الاتفاق. وقال مسؤول فرنسي إنّ ماكرون ونتنياهو تحدثا عن مذكرات المحكمة الجنائية الدولية يوم الجمعة الماضي بعد مكالمة بايدن وماكرون. لكن ماكرون لم يقدم أيّ التزامات لنتنياهو، بشأن تنفيذ مذكرة الاعتقال إن جاء إلى فرنسا.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط